Al Jazirah NewsPaper Tuesday  13/10/2009 G Issue 13529
الثلاثاء 24 شوال 1430   العدد  13529
المنشود
ثقافة الزهد
رقية سليمان الهويريني

 

أحسب أن لا ثمة مصطلح ظُلِمَ كالزهد! بل إنه أصبح من المصطلحات المزعجة وغير المرغوب فيها.وقد يقترن بالنكد والاكتئاب والتضييق على النفس!

فكلما ناقشت شخصاً حول الزهد وجماله وسموه ورُقيه وجدته يفند أقوالي! ويورد آياتٍ وأحاديث في مشروعية الاستمتاع بالحياة، بل والانغماس بها و(إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده) وقد أفقد القدرة على النقاش، لا بسبب وهن الحجة، إنما لقلة الإنصات والصدود عن الحوار في هذا الأمر! برغم أنه يمكن فهم هذا الحديث بالاستمتاع بمتعة دفع الصدقة وإخراج الزكاة وبذل الخير كإحدى متع الحياة، وهي بالتأكيد من آثار النعمة. ويتوالى الألم برؤية حالات الإسراف وبطر النعمة والانغماس في الشهوات وهي تسري في الناس حتى ولو كانت مباحة!

وما يزيد الألم مشاركة بعض الدعاة والمثقفين للناس الإسراف المُهْلِك، وعزوفهم وقلة مبالاتهم بالترشيد عند حضور الاحتفالات، برغم ملامستهم حال العالم وما يقاسيه من مجاعة متلفة للأرواح! وكان يجدر بهم تحبيب المجتمع لترشيد الاستهلاك في الملبس والمركب والمسكن، وليكونوا بأسلوبهم قدوة حتى ولو قدروا! حيث يجري تقليدهم في تصرفاتهم.

وبالمناسبة فقد رأيتُ عبر لقاء تلفزيوني مظاهر البذخ والترف في مسكن ومركب أحد الدعاة المشهورين! وهذا يتنافى مع التقرب للناس والالتفاف حولهم؛ فهذه المظاهر تخلق فجوة بينه وبينهم. بينما الزهد يجعل المرء أكثر تواضعاً، وأشد حياءً، وأقل مؤونة، وأبسط معيشة، وأرقى نفساً، وأنبل خُلقاً! وهو ما يذكره الجميع للشيخين الزاهدين في العصر الحديث الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين- رحمهما الله- حيث كانا مثالاً للزهد والورع والبعد عن مظاهر الدنيا الزائفة ليقينهما أن ما عند الله خير وأبقى وأكثر وأجمل.

ولو عمت مظاهر الزهد في مجتمعنا لانحسر معدل الفقر، وقلَّت معدلات البطالة لانتفاء الطمع.فلم أجد غير الطمع قامعاً للزهد. والشُّح قرين للطمع وهو تفضيل النفس على الآخر بالمظاهر الدنيوية! وهو طارد للفلاح في كل حال! {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

إن الحاجة ماسَّة لتأصيل ثقافة الزهد، لا، للانقطاع التام للعبادة وترك عمارة الأرض التي أمرنا الله بعمارتها. فانتشارتلك الثقافة يكبح جماح النفس ويهذبها على القناعة بما تفضل الله به عليها. فالركض وراء الماديات يعصف بأركان الأخلاقيات ويقوضها، فتتهاوى بالمقايضات! فليس أسهل من ابتزاز فتاة بشريحة جوال، ولا أبسط من شراء ذمم بحفنة دراهم. ولا أيسر من شهادة زور وأيمان غموس وكذب واحتيال مقابل النقود! وماذا تساوي تلك الملايين في الدنيا أمام جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين؟ فأين التقوى والورع والخوف من الله؟!

وأين تلك الغصة التي يشعر بها المؤمن حين يهمُّ بتناول لقمته فيتذكر جوعى إفريقيا من الرجال والنساء والأطفال وحتى الحيوانات!

وأين القشعريرة التي تخالجنا حين نتذكر قوله تعالى {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}

لقد طالت الغفوة ونحن بانتظار الوصول للوسطية التي وصفنا الله بها في تصرفاتنا ومظاهرنا ومشاعرنا وحتى في أفكارنا وديننا.

ألسنا نسير، وكأننا نيام؟!

rogaia143@hotmail.Com
www.rogaia.net



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد