أيها الوطن، علمتني فنون الاشتعال، ونظمت فيّ الزهو والخيلاء؛ لهذا سأرتب أحواض زهورك، وأشذب فيك لغة الكلام، أغني لك بجنون كالرصاص، وأطلق عصافير قصائدي وحروفي إلى فضائك الرحب الممتد من الماء إلى الماء، أجيئك لأبعثر على مسامعك الكلام المباح، وأسبح..
..في ماء دهشتك، وأطل من نوافذك المضاءة حين يعبر الليل على جسد مدائنك الكبار، القرنفل يا وطني ينبت على فمك المعطاء، ويتوقد النرجس على جسدك ريحا طيبة يمنحنا الاشتهاء، ويتوق الياسمين إلى ملامسة خديك حين يجيء المساء، أكتبك يا وطني قصيدة عظمى وشقائق نعمان، وأرسمك لوحة قمح، عنب، نخل، سدر، تين، فسيفساء، مطر، حدائق، عطر، صوت انتشاء، تتكوم بين يدي أشيائك معجونة هي من فضة وتبر نقاء، أرفع نحوك تفاصيل أغنيتي مقاطع هي من عرضة وسامري وحداء، أحتفل بك وأوقد قناديل أيامك وأحدق فيك طويلاً وأقرع الطبول متشحاً بلباس العز والإباء، متذكراً كل دروبك الطويلة، والشجيرات وتضاريس الرمال، متذكراً عطر هوائك الآخذ، لون رملك، موجة غبارك، قيظك، شتاءك، عشبك النشوان فوق هامتي، ترابك فاكهة تفاح، تورق أنت يا وطني مثل شهيق عشق، خطواتك واثبة مستدامة خضراء، لضفائرك يا وطني تتزين عناقيد الحروف، ينتشي الكلام، بل الانتشاء يصبح غير الانتشاء، يا وطني أحمل صورتك في ضياء القرى وضفاف البحار وفي مدارات الفضاء، أحملك دوماً معي من أول الماء إلى آخر الماء، رغبتي فيك ضوء أمنية وقنديل للبهجة، مطرك يا وطني هطل علينا جديدا واستحالت الأرض عشباً ندياً وأورقت الأشجار، وصرت لنا سمكاً وفاكهة وقمحاً وخبزاً نأكله في الصباح وعند كل مساء، في حضرتك يا وطني تندلق الموسيقى لتعزف لحن الحب ولحن الحياة ولحن التمدد، وشعراً مليئاً بالبحر وبالطيور وبالعصافير الملونة وبالمعجزات وبالمنجزات، لك المجد يا وطني وأنت تفرد جناحيك كنسر وسط السماء باتجاه التحدي لتتحول إلى بلد عظيم بلا صراخ ولا جعجعة ولا شعارات جوفاء مثل صخرة واقفة وجبل أشم، تحديت يا وطني الهجير والرياح لتصنع لنا أفياء مهذبة، سأبقى أرقب غدك المأمول يا وطني صدى يتلو صدى؛ لأن ليلك المعطر يمنحنا الهناء، وربيعك الآتي سيصبح غضاً ندياً حين يرتحل الشتاء.
ramadan.alanazi@aliaf.com