تعجبت في حديث عارض ومختزل عن (الورق في مؤسساتنا الحكومية)، جاء هذا الحديث الهام في ثنايا جلسة استشارية متخصصة صباح يوم الخميس الماضي وعلى يد رجل باحث وخبير، بصدق تعجبت من حجم الورق الذي يستهلك في مؤسساتنا الحكومية بلا فائدة، ولفت نظري النسبة الكبيرة من ميزانية الدولة التي تذهب لشراء الورق كما يقول هذا الباحث المعروف، (25% من موارد الدولة تُصرف على ورق) والغريب أن دخول التقنية في كثير من مؤسسات الوطن لم تغير النمط الإداري الذي ما زال ورقياً ولا فخر، ليس هذا فحسب، بل صارت وللأسف الشديد عبئاً إضافياً وسبباً رئيساً لارتفاع استهلاك الورق في مكاتبنا، والأدهى والأمر أن دراسة ميدانية توصلت إلى أن طباعة ورقة واحدة يسبقها في المتوسط إتلاف خمس ورقات من قبل من يقوم بالطباعة وذلك لعدم وجود الموظف الماهر المتميز والقادر على تلافي الأخطاء وإجادة سبك الخطاب، علاوة على عدم استشعار المسؤولية الوطنية والاهتمام بالمحافظة على المال العام من قبل كثير ممن تسند لهم أعمال السكرتاريا ويقومون بالطباعة ومثلهم من يعملون في الأرشيف ويحفظون الأوراق والملفات، هذا هو ما قيل وأنا في هذا محايد وإن صرت بعد سماع هذا الكلام مراقباً جيداً لما يدور في مكتبي ومكاتب الزملاء، وبالفعل وجدت أننا نستهلك كمية من الورق بلا داعي، ونحتفظ في أرفف وأدراج المكتب بصور من قرارات وتوجيهات لا يمكن أن نحتاجها في يوم من الأيام مهما طال الزمن وتعاقبت الأيام، والمتابع لما يحدث في مؤسسات الدولة عموماً والوزارات على وجه الخصوص أنه مع مرور السنين وعندما تكثر هذه الأوراق تُرمى في النفايات أو تُحرق أو أنها تحفظ في مستودعات خاصة على افتراض العودة لها في يوم من الأيام.. لقد سمعنا كثيراً عن الحكومة الإلكترونية وكان مشروعاً يراهن عليه قبل سنوات وما زال، ولا شك أن المملكة العربية السعودية قطعت شوطاً طويلاً في هذا المضمار ولكن عدم ثقتنا النفسية بالتقنية التي بين أيدينا، وعدم وجود المختصين الذين يتقنون فن الأرشفة والحفظ وسهولة المراجعة والتصدير في كثير من دوائرنا الحكومية، وغياب التدريب الجيد لمديري المكاتب وموظفي الأرشفة والسكرتاريا، علاوة على عدم قدرة جميع مؤسسات الدولة على أتمتة المعاملات وخدمة المراجع عن طريق وسائل الاتصال حديثاً، كل هذه الأسباب تجعلنا ما زلنا نتمسك بالورق مع أن الانتقال من عالم الورق إلى التقنية الحديثة صائر لا محالة ليس لأنه الأسهل ولا لأنه الأوفر ولكن لأنه الأمتع فالموظف الذي ينهي معاملاته ويتواصل مع مراجعيه بالطرق التقنية الحديثة يجد متعة وسهولة ويضمن الجودة والإتقان خلاف الحال حين التعامل بالطريقة التقليدية المعروفة، إن هناك الكثير من القطاعات الحكومية مرشحة وبقوة إلى الانتقال من عالم الورق إلى عالم التقنية المتقدم ومن ثم توفير الوقت والجهد للمواطن الذي سيسهل عليه إنهاء معاملاته من خارج أسوار المؤسسة وطوال ساعات اليوم وفي جميع أيام العام وهذا يضيف معنى جديداً على دلالات الزمان والمكان في عالم كسر الحدود وأزال الحواجز والقيود، من جهة ثانية فإن مشروع الحكومة الإلكترونية يوجب زرع الثقة بين الناس حين التعامل فليس كل ورقة لا بد أن يوقّع عليها مدير هذا القطاع، وليس ضرورياً أن يكون الختم الرسمي في جميع المعاملات و... إذا حدث هذا في قطاعات المال والاتصال وهي الأهم في عالم اليوم فإن هناك العديد من القطاعات والهيئات والمؤسسات مرشحة وبقوة للتخلّص من الماضي الورقي والانتقال إلى عالم الأتمتة، وهناك قطاعات وزارية أخرى تحتاج وللأسف الشديد إلى جهد كبير لتصل إلى ما يتطلع إليه ولاة الأمر رعاهم الله، وقد يشير هذا ضمناً إلى ما تحتاجه الإدارات الوسطى من جهة وما يحتاجه الكثير من المواطنين من مهارات التعامل مع الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وقبل هذا وذاك لا بد من نشر الثقافة الإلكترونية والتوعية بأهمية التغيير والأهم، لا بد من غرس الإيمان بقيمة ممتلكات الوطن وأهمية الحفاظ عليها وتنميتها تنمية حقيقية وعلى الوجه الصحيح. وإلى لقاء والسلام.