قليلون هم الذين تتاح لهم فرص العمل مع عمالقة التاريخ. والفقير إلى ربه واحد من هؤلاء القلة. لقد منحني الخالق - جلت قدرته - فرصة العمل المباشر مع سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على مدى أربعة وعشرين عاماً.
كنت وكيلاً للحرس الوطني للشؤون الفنية ثم وكيلاً للحرس الوطني، وكان عملي يفرض عليَّ عرض الأمور على جلالته وأخذ توجيهاته حيالها، ومع ذلك العمل شرفني - حفظه الله - بأعمال خاصة بجلالته. مما فتح لي المجال للتعلم منه والاستفادة من خبرته - حفظه الله -.
لقد كتبت عن الحرس الوطني عدة مقالات، وذكرت أن الحرس الوطني إنجاز وطني وعسكري وأمني وحضاري وثقافي كبير، يجير بكامله لجلالة الملك عبد الله - حفظه الله -. ذلك أنه المخطط والمدبر والموجه لقطار الحرس الوطني. لقد احترت فيما أكتب عندما سألتني صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز عن رأيي في الملك عبد الله، والصفات التي كان ولا يزال يتمتع بها، وكان ذلك في خطاب بتاريخ 23-3-1429هـ وقبل ذلك أسئلة طرحها عليَّ الكاتب البريطاني روبرت ليسي. لم يكن مصدر الحيرة قلة المعلومات أو عدم التأكد منها، بل على العكس من ذلك كثرتها وتزاحمها في الذاكرة ورغبة كل منها أن تكون في المقدمة.
الملك عبد الله شخصية فذة لها هيبة العظماء والكبار وأكبر من أن أصفه بقلمي المتواضع. ولكن عندما يتعامل معه الفرد، يجد فيه الإنسان المسلم الحنون العطوف، الأب الكريم، الرئيس الموجه، والإداري الناجح، والقائد الملهم.
ما يميز الملك عبد الله حبه لوطنه ومواطنيه حباً صافياً لا تشوبه شائبة، ولا يخالطه شكوك. هذا الحب قاده إلى العمل والتفاني بجد وإخلاص في سبيل تطوير المملكة، وترسيخ كيانها وأمنها واستقرارها. وتنمية مواردها البشرية والمادية بشكل لا يعرف الكلل أو الملل أو السأم. يحترم النظام ويقدره ويصر على التمسك به والسير وفق نصوصه. ويرى أن الأنظمة إنما تسن لكي تحقق العدل والمساواة بين المواطنين والمعنيين بها. وأي مخالفة لها هي ظلم في حقوق الوطن ومواطنيه. يحرص على الوقت والمواعيد والالتزام بذلك، ويلفت النظر إلى أي مخالفة لذلك مهما كانت محدودة. ويرى أن احترام الوقت والمواعيد أسلوب والتزام إسلامي ورد في الدين الحنيف. وقد حدد في الشريعة مواعيد الصلوات والصيام والحج وذلك دليل على احترام الإسلام للوقت والمواعيد.
صادق وصدوق في تعامله ويطالب أن يكون التعامل من الجميع بالصدق والأمانة والإخلاص. ويرى ذلك من صفات المسلم الحق والمواطن الحق.
حريص على المواطن وخدمته وحل قضاياه ومشكلاته، وكان كل ثلاثاء يستقبل مئات المواطنين في منزله ويستمع إلى الكبير والصغير، والشاكي والمحتاج. كما كان يستقبل كل أربعاء في مكتبه بالحرس الوطني مئات المواطنين، ويستقبل طلباتهم ويحل قضاياهم. وما زال على تلك العادة على قدر ما تسمح به المسؤوليات والارتباطات.
يرى في استقبال المواطنين والالتقاء بهم مباشرة وسيلة فعالة للعدالة في الحكم، وتحقيق الإنصاف للمواطنين، وحمايتهم مما قد يلحق بهم من جور أو ظلم أو اجتهاد خاطئ. كان يصر - حفظه الله - على إبقاء أبواب المسؤولين مفتوحة أمام المراجعين طيلة أيام وساعات الدوام. وقد رأينا في الحرس الوطني نتائج هذه التوجيهات في سرعة حل قضايا الناس وعدم تعطيل مصالحهم، وعدم تأخير المعاملات من قبل الموظفين.
كان ولا يزال - حفظه الله - حريصاً على المال العام، وعلى ممتلكات الدولة وعدم استغلالها في الأغراض الخاصة، كما كان حريصاً على عدم دخول الدولة في نفق الدَّين
العام، ويرى أن الدَّين العام عبء مالي وسياسي على الدولة وعلى الأجيال القادمة يجب تجنبه وعدم الدخول فيه. كما كان يرى عدم تحميل الدولة أموالاً أو حقوقاً غير نظامية، وأن يقتصر تحميل الدولة على ما تنص عليه الأنظمة واللوائح والتعليمات.
ومن الصفات المعروفة عنه - أطال الله في عمره وأمده بعونه وتوفيقه - الحلم والأناة، وتقييم الأمور قبل اتخاذ القرار. ولكن عند العزم فهو يتوكل على الله، صارم وسريع وحاسم في اتخاذ القرارات، لا يثنيه تردد، ولا يرد من إرادته وهن في العزيمة. حبه للعلم والعلماء وللثقافة قديم ومتأصل. وقد تجلى ذلك في حرصه على توفير التعليم لمنسوبي الحرس الوطني على أرقى المستويات للصغار وحتى الكبار وقد نال الحرس الوطني جائزة عالمية في مضماره.
كما أن رعايته وتوجيهه ومتابعته للمهرجان الوطني للتراث والثقافة ومقابلة ضيوفه ورعايته بنفسه دليل آخر على هذا الاهتمام. وقد تجلى ذلك الاهتمام في مضاعفة الجامعات السعودية إلى أربع وعشرين جامعة.
من الصفات التي اشتهر بها - حفظه الله - حرصه على إشراك كل المسؤولين والمعنيين في أي أمر يتعلق بأعمالهم ومهامهم وواجباتهم. ولذلك أمر بتشكيل لجنة عليا في الحرس الوطني برئاسة نائبه صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد العزيز - أمد الله في عمره - ونائب رئيسها معالي الوالد الشيخ المرحوم عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري نائب رئيس الحرس الوطني المساعد - غفر الله له وأسكنه فسيح جناته - ويشترك في عضويتها وكلاء الحرس الوطني والمديرون العامون به وقادة الإدارات العسكرية الرئيسية. ويحال إلى هذه اللجان كل الأمور المهمة لكي تقوم بدراستها والتشاور حولها ثم رفع التوصيات إلى جلالته، كما أن توجيهه - حفظه الله - على أن يشارك مجموعة من الجنود وصف الضباط في اختيار نموذج فللهم قبل تنفيذ إسكان الحرس الوطني، واعتماد ذلك من قبل المسؤولين بالحرس الوطني دليل على تقديره - حفظه الله - للجندي وصف الضباط ورغبته في المشاركة في تقرير أموره.
من صفاته الشخصية قوة إيمانه وتوكله على الله في كل الأمور، وأذكر أنه رفض استبدال زجاج مكتبه بزجاج واق من الرصاص، وقال: إن الحامي هو الله سبحانه وتعالى. سريع البديهة، دقيق الملاحظة على الرغم من كثر مسؤولياته وواجباته. كان يرى الحرس الوطني كواحد من أبنائه ولذلك كان حريصا على تطويره وتحديثه. وقد أدى ذلك إلى توقيع اتفاقيات مع دول صديقة طويلة المدى لتطوير الحرس، حيث أصبح قوة ضاربة في الداخل والخارج، كما أدى ذلك إلى حبه وتقديره وحرصه - أطال الله في عمره - على منسوبي الحرس جنوداً وصف ضباط وضباطاً ومدنيين، وقد طالب وأصر على توفير كل ما يحتاجه إلى أن تحقق لهم الإسكان الممتاز في كل المناطق، والخدمات الصحية بمستشفياتها المطورة، وعياداتها الحديثة المنتشرة في مناطق الحرس. وقبل ذلك كله التطوير والتدريب والتسليح الحديث.
هذه لمحات سريعة وعاجلة عن بعض الصفات وليس جميعها التي تحلى بها سيدي جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز. رأيت المشاركة بها من واقع خبرة وتجربة عملية مباشرة بمناسبة تفضل جلالته بافتتاح جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية. تلك الجامعة التي سوف تسهم إلى حد كبير - إن شاء الله - في نقل المملكة ومواطنيها إلى مصاف الدول المتقدمة. أمد الله في عمر المليك وأعانه على تحقيق أهداف وطنه ومواطنيه وأمته العربية، وأمته الإسلامية.
«*»وكيل الحرس الوطني سابقاً - عضو مجلس الشورى سابقاً