دلف مسرعاً للركن الجنوبي لبوابة صعود الطائرة، طلب مقعداً متحركاً وما إن استلمه ومضى بعيداً عن أعين المشرفين، همس في أذن المرافق، (أنا لا أرى فخذني للطائرة، لم تجد دهشة ذلك، غير أنه ذهب يتفكّر في مدى رهافة مشاعر الكفيف الذي جاء على نفسه حتى حصل على المقعد، وفَّرت عصا بيده لهذا المرافق أن تتنامى مشاعر التقدير له في داخله..
كانت بعضاً من المسافة ليست طويلة، لكن زمن انتظار الخط البشري المتهافت على دخول الطائرة، ساعده على تقمُّص دور الكفيف لحاجة في نفسه.. نصف ساعة وتهادت العربة به في الممر الضيق داخل الطائرة حتى وصل لمقعده.. معه المرافق الذي أبى أن يأخذ منه ما حاول أن يدسّه من نقود في يده, وكانت المضيفة لا تزال تحاول مساعدته في استقبال مقعده دون عناء، دقائق وكانت قد أحضرت له وسادتين، وكوباً من العصير أمسكت بيديه ليتمكن من تطويقه، ومنديلاً معطراً فضت عنه غلافه ودسّته في باطن كفه... ساعة ونصف وأعلن أنّ الطائرة قد وصلت، المضيفة كانت تجري اتصالاً للإسراع بمقعد الكفيف، بينما كان قد دلف خارج الطائرة دون عصا ولا مقعد..
والحافلة تقلّه لداخل المطار كان قد طوى ورقة دوّن فيها تلك اللحظات ما تنامى في داخله ليبدأ روايته الجديدة : (ساعة كفّت فيها عيناي).. ليكون مهيأ للمسابقة.