لم ننته بعد من تجفيف منابع الفكر الذي اختطف الشباب السعودي من أحضان أسرهم وجعلهم طعما سائغا لمعارك تلتهم كل شيء حتى الشعارات الأممية البراقة والمفخخة بقنابل عنقودية يوجه فتيلها نحو الوطن !!
لم ننته بعد من مرحلة كره فيها بعض شبابنا وطنهم وتحزموا بأفكار الأممية وسعوا لقتلنا، في رمضان والناس أقرب ما يكونون إلى الله رب العالمين، رب كل الأمم في كل مكان وزمان غدر شاب سعودي بمحمد بن نايف لكن الله سبحانه رد غدره إليه وأذهبه ضحية لما خطط له أعوانه ، وحمى الله عينا ساهرة على مصالح وطنها!
في يومنا الوطني، ونحن نحتفل به وبذكرى مؤسسه ورجالاته الذين بذلوا النفيس من الروح والمال واستعانوا بالله العظيم على تحقيق حلمهم بدولة راسخة تقوم على العقيدة الصافية وتنطلق في آفاق الحضارة، في يوم مثل هذا أقدم مجموعة من الشباب على أعمال تخريبية في شوارع مدينة الخبر وحطموا واجهات المحال التجارية والمرافق العامة!
وفي اتجاه آخر ،مازال لدينا بعض منتمين للعملية التعليمية والتربوية يرفضون تحية العلم، ولدينا من يعد الاحتفال باليوم الوطني بدعة يحرض تلاميذه للامتناع عن المشاركة في برامج الاحتفال فيه، والتي تقرها الوزارة !!
إنني أتفهم معاناة رئيس شؤون الحرمين فضيلة الشيخ صالح الحصين من بعض موظفي الحرم، من قاصري التفكير، الذين يعتقدون أن الحرمين الشريفين للسعوديين وأن لهم معاملة خاصة عن بقية المسلمين، لو كان ذلك ما عناه فضيلة الشيخ في حديثه عن الغلو في الوطنية وأثرها السلبي الواقع على المقيمين، وأن ذلك يظهر عند الموظفين وليس المواطنين، لو كان حديثه الذي خص به طلبة العلم الشرعي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والذي استنهضهم فيها للوقوف ضد ما أسماه فضيلته بالغلو في الوطنية (بحسب ما نشر في جريدة الحياة يوم الخميس الماضي) عن شيء مثل هذا لهان الأمر قليلا !!
وعلى غرار السؤال الذي طرحه فضيلته في كلمته التي ألقاها في لقاء القادة التربويين وكنت واحدة منهم في لقاء مكة، والذي كان بقيادة سمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله آل سعود فقد طرح فضيلته في كلمته في ذلك اللقاء أيضا تساؤلات وإشارات سلبية عن فكرة الوطنية بمفهومها الغربي، وكانت الفكرة الأكثر الأهمية واللافتة هي في طلب فضيلته تحديد مفهوم اللاوطنية قبل الحديث عن الوطنية !
وأجدني أحتاج أنا أن أطرح في هذا السياق سؤالا هاما: لماذا لم يهتم الخطاب الديني بالتحذير من الأممية حينما كانت مستشرية وما تزال بقاياها بين ظهرانينا حتى أن أستاذة جامعية ما تزال تقول جزيرة العرب بدلا من السعودية؟ وأين التحذير من الأممية والنداءات والشعارات بحق توزيع الثروة على كل العرب تستشري هي الأخرى، لماذا حين بدأنا نزرع وردات الوطن يانعة على شفاه أطفالنا تتعالى التحذيرات من الغلو في الوطنية؟ كما أننا نريد أن نعرف في ماذا تتضح معالم الغلو في الوطنية؟ وأين هي مظاهر الغلو في المواطنة ؟
فضيلة الشيخ صالح الحصين علامة مطلع من المؤكد أنه اطلع على تجارب وطنية غربية وصلت إلى العنصرية واللا دينية، لكن مشروعنا في تنمية الوطنية يبدأ بمكة، يعبر نحو الرياض ويتجه إلى المدينة، فلماذا نثير في وجهه الأتربة وقاطرته مازالت تفتش عن دروبها السالكة؟! لماذا لا نعمل جميعا باتجاه واحد حتى نصل؟ لماذا تتقاطع بنا الدروب مبكرا؟ فتضعف همتنا ويفت عضدنا التناقض؟ فتتراجع خطواتنا في اتمام مشاريعنا الوطنية التي أهمها غرس الانتماء والمواطنة الحقة لدى أجيالنا؟