فقدت الرياض منذ أيام أحد أعيانها ووجهائها العم الشيخ عبد العزيز بن صالح بن علي الحقباني - رحمه الله-.. وهو رجل له القدر الكبير والشأن الرفيع لدى ولاة الأمر -حفظهم الله- ولدى أسرته والمجتمع عموماً فقد ولد -رحمه الله- في الرياض عام 1324هـ، وهو من أسرة لها تاريخ مشرف، حيث عُرف عنهم الولاء للدولة السعودية، فقد استشهد تحت لواء الملك عبدالعزيز -رحمه الله- خلال توحيد هذه البلاد التي نعيش في ظل رخائها وأمنها خمسة من أبناء الشيخ علي الحقباني -رحمه الله- جد العم عبد العزيز -رحمه الله- وصاحب نخل (قري الحقباني) الذي اشتهر بأنه كان يستضيف الناس فيه فاشتهروا بالكرم ومكارم الأخلاق.
|
بدأ العم الشيخ عبد العزيز وإخوانه الأعمام سلمان ومحمد -رحمهم الله- حياتهم بالزراعة، ثم توجهوا بعد ذلك للأعمال التجارية، وهم من أوائل التجار في مدينة الرياض، حيث عملوا في تجارة الأقمشة واستيراد السيارات، ثم تجارة التهوية والمراوح.. ومع طول فترة عملهم في التجارة وما شابها من احتكاك كبير مع مختلف شرائح المجتمع إلا أنه لم يُعرف عن وجود أي قضايا أو مخاصمات بينهم وبين أحد، بل كانوا ممن يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا اقتضى) رواه البخاري.
|
وقد تبوأ العم الشيخ عبد العزيز- رحمه الله- العديد من المهام منها على سبيل المثال أنه كان نائباً لرئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض إبان تأسيسها، وكان عضواً فاعلاً في مجلس إدارتها، وكان أيضاً -رحمه الله- نائباً لرئيس مجلس إدارة شركة الغاز والتصنيع الأهلية، وقد ترأس -رحمه الله- لجنة أهالي الرياض التي تقوم بالتنظيم والإشراف على احتفالات الرياض المتعلقة بمبايعة الملك.
|
أما عن صلتي بالعم الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- فهي قديمة قِدم سنوات عمري حيث كنت أدخل بيته كأحد أبنائه وكان لمشاهداتي في بيته تأثير عليَّ فمن ذلك أنني كنت أعجب كثيراً من حبه وتآلفه مع أخيه العم الشيخ سلمان -رحمه الله- حيث كانا يعملان معاً ويذهبان للصلاة معاً ويرتادان المناسبات الاجتماعية معاً ولا يفرق بينهما إلا النوم أو السفر، وكان نادراً جداً أن ترى أياً منهما منفرداً.. كل ذلك في حب وتفاهم واحترام متبادل لدرجة أن العم الشيخ سلمان عندما كان يسير مع أخيه العم الشيخ عبد العزيز إلى المسجد يحرص بشدة على أن لا تسبق قدمه قدم أخيه بالرغم من تقدمه بالسن، لكنه ما كان ليكبر على أخيه -رحمهما الله-.. وقد كانت روح المحبة هذه طاغية على كل شؤون حياتهما، وانعكست لذلك على جميع أفراد الأسرة لدرجة أنه كان من الصعب أن تُفرِّق بين أولاد العم الشيخ عبد العزيز، وبين أولاد العم الشيخ سلمان -رحمهما الله- ومن أبلغ دروس الكرم والشهامة التي يتعلمها الإنسان من هذه الشخصية الفريدة أنه كان يحرص أشد الحرص على متابعة أحوال إخوانه وأبنائهم وأقاربه وأصدقائه وجميع معارفه، فهو يعودهم في المرض ويعزيهم ويشاركهم أفراحهم ومن المواقف التي لن أنساها له -رحمه الله- أنه أصر على أن يزورني في بيتي عند إصابتي في حادث سيارة منذ سنوات، وكان قد تجاوز عمره آنذاك المئة عام وأنا في سن أبنائه أو أحفاده، ولو أنه اكتفى بالاتصال هاتفياً لكان عندي كثيراً ولكنه -رحمه الله- كان رجلاً وفياً محباً فعندما كنت أزوره وأخاه العم الشيخ سلمان -رحمهما الله- كانا يصران على الوقوف للسلام عليَّ، ولكثرة ما أجد منهما من ترحاب كنت أُصاب بالإحراج والخجل، وقد كان هذا خُلقهما -رحمهما الله- مع جميع الضيوف يتواضعان لله ويقابلان ضيوفهما بوجه بشوش ويحترمان ويقدران الصغير والكبير على السواء امتزج أصلهما الطيب بأدبهما الرفيع كما قال الشاعر:
|
أكرم بذي أدب أكرم بذي حسب |
فإنما العزم في الأحساب والأدب |
فكان نتاج ذلك تلك الشخصية الفريدة التي قلَّ نظيرها، وقد عرف الناس فضل هذا الطود الشامخ - رحمه الله- فامتلأ مسجد الملك خالد عند الصلاة عليه عن آخره بالرغم من أن المنية وافته فجراً وصُلي عليه عصراً ولم يتسن لجميع محبيه العلم بوفاته -رحمه الله-.
|
لقد رحل العم الشيخ عبد العزيز - رحمه الله- وجعل مثواه الجنة، وعزاؤنا أنه خلف من بعده ذرية طيبة تمشي على نهجه وتقتفي أثره في الشهامة والرجولة والكرم.. سائلاً الله العلي القدير أن يلهم الصبر والسلوان جميع أبنائه وبناته وزوجاته وأبناء وبنات وزوجات إخوانه الشيخ سلمان والشيخ محمد وجميع أسرة الحقباني وجميع محبيه.
|
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|
|