تفوقت اليابان حينما طبقت مبدأ (التحسين المستمر) أو ما يعرف عالميا بالكايزن kaizen، (كاي Kai وتعني التغيير، وزن zen تعني للأفضل) وتعني هذه الفلسفة أن كل عمل يمكن تحسينه، وأن كل عملية لابد وأن تحتوي على هدر من أي نوع ماديا كان أو معنويا، ويعمل التحسين المستمر (للأفضل) على التقليل من هذا الهدر.
ولأجل ذلك فإن (التغيير) هو الهدف الرئيس والكبير الذي تعمل عليه أي منظمة سواء كانت من القطاع العام أو الخاص، بحيث تتم مراجعة نظمها وبرامجها وتقييمها بغرض القضاء على مكامن الخلل، بحثا عن أداء أفضل وإنتاجية أعلى، وطريق التغيير بالتأكيد أنه يمر من قنوات عدة، لعل أبرزها وأكثرها فعالية هو التدريب، لأنه وببساطة ينقل الخبرة المثالية والمطلوبة لإنجاح العمل إلى داخل المنظمة ذاتها، خاصة إذا كان التدريب يتم من خلال نخبة مميزة من المدربين الأكفاء، ويحمد لكثير من مؤسسات القطاع العام والخاص في السنوات الأخيرة اهتمامها بهذا الميدان الهام، بل إن عددا كبيرا منها أوجد معاهد ومراكز خاصة لتدريب منسوبيه مستشعرا الأثر الكبير الذي يحدثه التدريب في ذات الموظف، وأذكر في ذلك موقفا طريفا حينما رفض المدير العام لإحدى الشركات فكرة إحضار مدرب متخصص لتقديم برامج تدريبية لموظفيه، معتبرا أن هذه الدورات ستصرفهم عن الأهم وهو أداء العمل المنوط بهم، ولكن حكمة مدير إدارة الموارد البشرية في تلك الشركة جعلت ذلك المدير يحضر ورشة عمل لذلك المدرب كان رافضا حضورها في البداية لكنه ومن باب المجاملة رضخ للأمر بشرط مغادرته بعد ساعة فقط، وهو ما لم يحدث إذ استمر ذلك المدير مستمتعا حتى نهاية الدورة والتي استمرت قرابة الخمس ساعات، وأثمر ذلك في نهاية المطاف عن قناعة تامة بأهمية التدريب والذي كان من نتيجته إيجاد إدارة خاصة بالتدريب تحولت مستقبلا إلى معهد.
إن القناعة والإيمان الكبير لدى عدد من مؤسسات القطاع العام أو الخاص بأهمية التدريب أحدث فرقا في سلوكيات الموظفين, وطور من أدائهم، وأكسبهم خبرات جديدة لم تكن موجودة من قبل، فمهما بلغ تقدم مجتمعنا تبقى هناك مجتمعات أكثر تقدما وتجارب مميزة تستحق المحاكاة والنقل، بل إن القناعة بأهمية التدريب للموظفين تطور في عدد من القطاعات ليأخذ صفة الابتعاث والإيفاد للمدرب إلى الدول المتطورة ذاتها، بحيث لا يكتفى بالخبرة النظرية فقط من خلال حديث المدرب، بل يصحبها خبرة عملية مشاهدة، ومعززة بزيارات ميدانية لبيئات عمل ناجحة ومتميزة، وعوداً على مصطلح (الكايزن) الياباني فإنه بقدر قراءتي عنه وحضوري لبرنامج تدريبي قبل سنوات عنه، إلا أنه لم يترسخ في ذهني ويتأكد لي ولكثيرين ممن كان معي إلا بعد حضور دورة تدريبية في (الجودة) في اليابان ضمن الدورات التدريبية الخارجية التي تنظمها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لمنسوبيها في فترة إجازة الصيف، وهي تجربة غير موجودة في كثير من الإدارات الحكومية، ومنحتني تلك الدورة التعرف على تطبيقات الكايزن اليابانية في كل مناحي الحياة اليابانية، بل إن جزءا من البرنامج التدريبي كان يقتضي الركوب في الحافلات واستخدام سيارات الأجرة وخطوط القطارات، ناهيك عن الزيارات الميدانية لشركات عملاقة ومتطورة على مستوى العالم كشركة تويوتا وشركة باناسونيك بالإضافة لورش عمل مكثفة لنخبة من المدربين اليابانيين الأكفاء، مع زيارات متنوعة لمعاهد تدريب متخصصة، أقول إن ثقافتي ومعرفتي بالكايزن الياباني كانت حاضرة بصورة أكبر وأعمق حينما عاينتها مباشرة وعلى الطبيعة، مزودة بشواهد وتجارب حية أثرت ذلك البرنامج التدريبي، والذي قصرت فيه كثير من مؤسسات القطاع العام في حق منسوبيها، سواء في اليابان أو غيرها من الدول، وأذكر أن معالي السفير السعودي في اليابان وفي حوار لي معه هناك ثمن خطوة المؤسسة في الدورات الخارجية، مؤكدا أن هناك اتفاقيات وقعتها الحكومة مع عدد من الدول في إطار ما يعرف بالتعاون الدولي، وتتضمن تدريب الموظفين المواطنين في تلك الدول، بحيث تدفع حكومتنا حفظها الله رسوما سنوية لتلك المراكز والمعاهد ممثلة بدولها بغرض الرقي والتطوير في كفاءات العاملين، مع ملاحظة أن الدورة الخارجية تجعل الموظف منصرفا إلى ما حضر لأجله، بخلاف لو كانت الدورة في مدينته، إذ سيكون انشغاله بأهله وأموره الخاصة حائلا دون استفادته من الدورة، خاصة وكثير من تطبيقات البرامج التدريبية تحتاج لوقت غير الوقت الذي يقضيه المتدرب داخل القاعة.
إن الوصول إلى خلق مجتمع منجز مبدع، لا بد وأن تمر من خلال ورش وقاعات التدريب، والمؤسسة التي تبحث عن الأداء الأنجع والأفضل لابد لها أن تمنح موظفيها فرصا أكثر للتدريب، حيث بينت الأبحاث والدراسات أن تدريب الموظفين أدى إلى زيادة أجور الموظفين بنسبة تصل ما بين 4% إلى 11%. كما بينت الأبحاث أن الشركات حققت أرباحاً تفوق نسبة الزيادة التي حصل عليها الموظفون بأكثر من ضعفين، كما بينت دراسة أخرى أن زيادة نفقات التدريب بنسبة 10% حققت نسبة تحسن الإنتاجية بنسبة 3%، ويقدر حجم ما يتم صرفه على التدريب والتطوير في العالم في العام الواحد أكثر من 800 مليار دولار سنوياً، أكثر من 100 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها، بينما يقدر حجم الإنفاق في العالم العربي على التدريب ما يقارب 250 مليار دولار سنوياً، وفي المملكة لوحدها ما يزيد على مليار ريال.
مجلس التدريب التقني والمهني بالقصيم