لا يمكن فصل التحسن الملحوظ الذي طرأ على قطاع المصارف في سوق الأسهم السعودية عن التقارير الإيجابية التي صدرت تباعا منذ نهاية شهر رمضان الماضي. أشرت في بعض المقالات السابقة إلى قوة القطاع المصرفي، وقدرته على التكيف مع الظروف الطارئة خاصة مع وجود قاعدة رأسمالية، احتياطات عالية، نمو في الربحية، إضافة إلى الدعم الحكومي المستمر، وهو ما أكدته مؤخراً التقارير المتخصصة لمؤسسات مالية ضخمة كبنك (كريدي سويس)، (موديز)، (عودة كابيتال)، وغيرهم.
التزام المصارف السعودية والجهات الرقابية والإشرافية الصمت حيال حجم الانكشاف على بعض المجموعات المتعثرة، أو تفنيد الشائعات، وقت صدورها في مايو الماضي، وإصرارهم على العمل بتكتم لوضع الحلول الفاعلة أعطى تصوراً خاطئاً للمراقبين والمستثمرين؛ ما أثر سلبا في أداء القطاع المصرفي، وساهم في حرمان السوق من مواكبة تحسن البورصات العالمية. العمل بصمت لمواجهة الأزمات قد لا يساعد في طمأنة المستثمرين إذا لم يتم الإعلان عنه بشفافية، ونتائجه الجيدة قد لا تظهر إلا بعد أن تتدهور الأوضاع بسبب الشائعات القاتلة؛ فتعالج النتائج بعض ما أحدثته الشائعات، بدلا من أن توجه بالكلية لمعالجة أصل المشكلة.
بدأ تحسن القطاع المصرفي بُعيد تصريحات محافظ مؤسسة النقد حول سلامة وضعية البنوك التي أطلقها مطلع سبتمبر الماضي، والتي جاء فيها أن مؤسسة النقد العربي السعودي (لا ترى أي مخاطر تهدد النظام المصرفي بسبب مجموعتي سعد والقصيبي).
ثم تلا ذلك ما أعلنته قناة (العربية) من أن (مالك مجموعة سعد السعودية توصل إلى تسوية بشأن ديون مستحقة لبنوك محلية وهو الخبر الذي كانت له ردة فعل إيجابية على المستوى المحلي، خلافا لما أحدثه على المستوى العالمي؛ حيث نقلت وكالة (رويترز) للأنباء تعقيباً على التسوية عن (خشية الدائنين الأجانب تجاهل مصالحهم). وأضافت الوكالة نقلاً عن مصدر مقيم في البحرين أنه (إذا تأكد نبأ الصفقة المحلية فإنها ستثير حفيظة المجتمع المالي العالمي)، وهو تحفظ نعتقد أنه في غير محله؛ فالمصارف السعودية قدمت قروضها للمجموعة وفق الضمانات المتاحة، وهي أحق بتلك الضمانات حال التعثر، وأي ضمانات محلية يمكن أن تدخل ضمن التسوية الشاملة. فأخطاء البنوك العالمية يفترض أن تتحملها إداراتها التي وافقت على إعطاء قروض ضخمة وفق تقديرات خاطئة، لا تتوافق والمعايير الائتمانية السليمة.
في مقابلة مع (رويترز) أوضح السيد سلطان ناصر السويدي محافظ مصرف الإمارات المركزي في إسطنبول عدم تمكنه من التعليق حيال قضية التسوية لحدوثها في (دولة أخرى)، إلا أنه ما لبث أن عاد عن قوله السابق مؤكدا أن لو (كانت القضية في الإمارات كنا سندعو جميع البنوك ونجمعهم في غرفة اجتماعات واحدة، ونقول لهم أن يأتوا بحل وأن يقتسموا الأصول المتاحة بشكل متساو... سنبرم نوعا من التسوية تضع جميع البنوك على قدم المساواة).
لا أعتقد أن أيا من دول الخليج ستسعى لتقديم مصالح البنوك الخارجية على مصالح بنوكها المتضررة إذا ما احتفظت في خزائنها بضمانات كافية لتغطية القروض المتعثرة!.
ومن الناحية القانونية يُفترض أن يكون المُقرِض أحق بضماناته من سواه، وأي تسوية شاملة لا يمكن أن تُبطِلَ حقوق المُقرِضين المتمثلة في رهوناتهم المقبوضة شرعا.
محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر، نفى تدخل المؤسسة في ترتيبات التسوية، وأكد أن (القضية كانت بين مجموعة سعد والدائنين)، وأن مؤسسة النقد العربي السعودي لم تكن (مراقباً ولا وسيطاً في هذا الاتفاق، ولا علاقة لها به).
أفهم أن تكون التسوية تمت بين الدائنين والمقرضين بعيدا عن وساطة مؤسسة النقد، إلا أن استقلالية البنوك في تسوية قروض تزيد على 9.7 مليار ريال بمعزلٍ عن المظلة الرقابية الرسمية أمر لا يمكن تحقيقه بسهولة!.
تسعى البنوك المركزية إلى تحقيق مصالح بنوكها، وتجتهد في تأمين مراكزها بعيدا عن الهزات العنيفة، وهي في سبيل ذلك تجتهد في تفعيل الدور الرقابي الصارم، خاصة في محافظ الائتمان، ومن الظلم أن تتحمل البنوك المحلية أخطاء البنوك الأجنبية بإسرافها في إقراض المجموعات المحلية وفق معايير خاصة بها وغير ملزمة للآخرين. ومن جانب آخر فإن الضمانات المتاحة محليا يفترض أن تكون مرتهنة بالقروض المحلية، وموجهة لسداد المتعثر منها أولا، فإن زادت فلا بأس من تحويل المتبقي لمصلحة الدائنين الآخرين، أما المطالبة بقسمة الغرماء في الرهان المقبوضة (الضمانات) التي اعتُمِدَ عليها في تقديم القروض، ففيها الكثير من الظلم والحيف. لا أجد ما يُحرج مؤسسة النقد العربي السعودي أو البنوك المحلية في الإعلان الرسمي عن تفاصيل التسوية وعلاقتها بها، وما قد تؤول إليه قضية ديون المجموعة الأخرى التي ما زالت عالقة حتى الآن. التعجيل بإنهاء ملف مديونية المجموعتين محليا كفيل بقطع دابر التحركات الخارجية ب(تدويل) القضية، وإضاعة حقوق البنوك المحلية وتحويلها من قضية مالية فردية أسهمت المصارف الأجنبية في خلقها، إلى قضية تُحَمَّلَ تَبعيتها للاقتصاد الوطني، وخزينة الدولة.
f.albuainain@hotmail.com