ما أطول العام الدراسي.. هذا ما نردده جميعا.. الأطفال والأمهات.. طلبة الثانوية.. والمعلمون والمعلمات الذين أرهقناهم بكثرة التدريس والتصحيح لكن هل جلسنا فعلا واحتسبنا بدقة عدد الأيام الدراسية التي يقضيها طلابنا في المدارس مقارنة بعدد الأيام الدراسية المقرة في الأنظمة التعليمية العالمية؟؟؟؟ حين فعلت وعقدت المقارنة ومن دون مبالغة كانت النتائج مذهلة.
(هذا دون احتساب هذه الإجازة المفاجئة لمواجهة الإنفلونزا فهذه في حكم الطارئة ولا تدخل في حساب الأيام المقررة من العام الدراسي).
في مناقشة لرسالة ماجستير للباحثة سمر العريفي من قسم التربية بكلية التربية/ جامعة الملك سعود بالرياض وكنت أحد أعضاء لجنة المناقشة للرسالة التي تمت في مايو 2009 ودارت حول مفاهيم التعايش الإنساني وكيفية تأكيدها وتدريب الطالبات عليها في المرحلة المتوسطة من خلال تطبيق برنامج تدريبي لبعض معلمات هذه المرحلة مما اضطر الباحثة لأخذ عينة تجريبية من المعلمات والطالبات ومجموعة أخرى ضابطة وعقد امتحانات قبلية وبعدية للعينات الداخلة في الدراسة للتأكد من نتائج التجربة والتدريب الخ مما يتطلبه استخدام الأساليب التجريبية وشبه التجريبية في الميادين التربوية وكما هو متعارف عليه في البحوث العلمية.
والمفاجأة غير المتوقعة التي واجهت الباحثة هو اضطرارها خلال إجراءات إتمام دراستها لقطع التجربة لعدد غير متوقع من المرات بفعل الإجازات المتكررة للطالبات خلال العام وقد وجدت أنها كانت مضطرة للتوقف أمام خمس إجازات تأكل العام الدراسي بالترتيب التالي:
1- إجازة اليوم الوطني.
2- إجازة عيد الفطر.
3- إجازة عيد الأضحى.
4- إجازة منتصف العام.
5- إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني.
وتبلغ عدد أيام هذه الإجازات مجتمعة 55 يوما؛ أضف لها الإجازة الصيفية وهي البالغة بالتقريب ثلاثة أشهر وكم يوم وإذا أضفنا عليها عدم فعالية الأسبوع الأول في معظم المدارس يصبح المجموع بالتقريب 120 يوما.
يبلغ المجموع هنا 175 يوما من الإجازات وعدد أيام السنة 365 هذا يخلف 190 يوما من الدراسة بواقع 27 أسبوعا دراسيا، احذف من كل أسبوع يومان هما الخميس والجمعة بواقع 54 يوما تطرحها من الأيام المخصصة للدراسة وهي 190 يوما فيتبقى من أيام الدراسة الفعلية 136 يوما هذا عدا يومي الغبار اللذين تعطلت فيهما الدراسة فيصبح مجموع الأيام التي درسها الطلاب فعليا 134 يوما دراسيا فقط أو حتى من غير احتساب الطارئ مرة أخرى (والذي تعمل المنظمات التعليمية في العادة على تعويضه بأيام أخرى) وإذا أردت أن تكون دقيقا فاسقط منها أسبوع ما قبل الامتحانات الذي لا يدرس الطلبة فيه شيئا ويترك للمراجعة وكذلك أسبوعي الامتحانات حيث يغادر الطلبة المدارس سريعا بعد الامتحان فما هي فعلا عدد الأيام الفعلية التي يدرسها الطلاب والطالبات في المدارس السعودية؟؟؟
والسؤال نفسه يطرح للمقارنة مع الأنظمة التعليمية العالمية ومع المعايير المعتمدة من المنظمات العالمية الخاصة بقياسات الاعتماد الأكاديمي لمدارس التعليم العام والتي تقوم بتحديد العدد المقبول للأيام الدراسية التي يجب أن تكون أياما دراسية حتى يمكن احتساب العام عاما دراسيا للطلاب؟؟؟؟؟
والأمر نفسه يصدق عند احتساب عدد الساعات التي يقضيها الطلبة في المدرسة كل يوم وهي في الغالب (5.5) ساعات ونصف من الساعة السابعة صباحا حتى الثانية عشر والنصف ظهرا لمعظم المدارس الحكومية ويقل هذا العدد في المدارس الابتدائية وفي الصفوف الأولية التي تسرح طلابها أبكر من ذلك دون احتساب فترة الفسحة والصلاة وبذا فيمكن القول أن معدل عدد الساعات في الأسبوع التي يبقى فيها الطلاب في الفصول الدراسية هو أقل من 25 ساعة وهذا اقل بكثير عن المعدل العالمي. في دراسة قام بها الباحث مايك هلال لحساب كلية دبي للإدارة الحكومية حول عدد الأيام الدراسية لطلاب دولة الإمارات مقارنة بالدول الأخرى ونشرت بعض نتائجها في جريدة الاتحاد الإماراتية يوم 28 يوليو 2009، رأت الدراسة بان دولة الإمارات تعد الأقل في عدد الأيام الدراسية مقارنة بالدول الأخرى حيث بلغت 175 يوما وبمقارنة ذلك مع المعدل العالمي في كل من سنغافورة واليابان والتي يبلغ طول العام الدراسي فيها 220 يوما حتى يمكن احتسابه عاما دراسيا و190 في كل من الولايات المتحدة واستراليا فماذا يحدث لنا أذن والتي لا تتجاوز الأيام الدراسية الفعلية 130 يوما!!
وقد كشفت الدراسة أن الطلبة في دولة الإمارات يقضون عدد ساعات أقل في الفصول الدراسية مقارنة بنظائرهم في دول أخرى مما يجعلهم متأخرين عنهم يوما كاملا كل أسبوع!! ولذا أوصت الدراسة المذكورة بضرورة زيادة تسعين دقيقة على أيام الأسبوع موزعة على الأيام المختلفة حتى يمكن زيادة مقدار الوقت الذي يمضيه الطلبة في الدراسة مع التوصية بتغيير محتوى المناهج وزيادة أعداد الأيام الدراسية حتى 185 يوما مع إضافة بعض المواد الضرورية للعصر الحالي وتغيير الأسلوب الذي يقدم فيها محتوى هذه المناهج حتى يمكن تبرير واستخدام هذه الزيادة في الوقت خلال اليوم والعام الدراسي مع التركيز في هذه الزيادة على تدريب الطلاب على المهارات التي سيحتاجونها في سوق العمل وهي اللغة الإنجليزية والرياضيات.
لا اعرف ما الذي يمكن أن نقوله في هذا الصدد بعد كل هذه الحقائق فالنتائج واضحة جدا جدا في المخرجات. أعرف أن لدى وزارة التربية والتعليم خطة طموحة للتطوير تتناول كافة الأسس الرئيسية للتعليم من معلم وطالب ومناهج وطرق تدريس وبيئة صفية ومناخ دراسي وإدارة مدرسية وتعليمية مع توظيف امثل للقدرات البشرية والمادية وكلنا نقف صفا واحدا لإنجاح خطتها في التغيير والتجديد لكننا نحب أن نطمئنها أن خططها هذه ستكون ضمن معركة مؤلمة ستتطاير فيها أشلاء معنوية ومادية كثيرة فهي ليست وزارة تعليم مثلها مثل أي وزارة في أي بلد آخر تنظر وتشخص التعليم على أنه عملية تعليمية بحيث يكون هدفها الأساسي هو تحقيق تعلم امثل ومتعلم يتمتع بما يحتاجه المجتمع من خبرات علمية ونظرية. وزارة التربية والتعليم السعودية ونتيجة لتاريخها الطويل المتجذر أكثر من أي وزراه أخرى في الدولة في عالم الأدلجة والتسييس تحتاج إلى معجزات حقيقة وقادة أفذاذ قادرون على اتخاذ القرارات اللازمة لحماية هذا البلد وفي كل الأحوال فالثقة بوزيرها ورجاله كبيرة ولهم في القائد الأعلى لهذه الأمة الملك عبدالله خير مثال فقد أرغم الجامعات دون خيار منها على الدخول للعالم الأول ومن هنا فإن واجبهم أن يوفروا لنا تعليما نثق به كآباء ونعرف أنه سيربي مواطنا متوازنا يعرف ربه ووطنه ويقدر نفسه كما يقدر الآخر وأنه سيجد عملا مناسبا يحفظ كرامته ويجعل مهاراته البشرية إحدى العملات النادرة التي تمكنه من استثمارها أينما كان دونما حاجة لاستجداء الحكومة لوظيفة تضمه لطابور الرعاية الاجتماعية الذي يزداد طولا بزيادة عدد خريجي هذه الجامعات التي لا يوجد لتخصصاتها مقابلا في سوق عمل القرن الواحد والعشرين.