في عصر العلم والتقنية المتسارع أصبح للوقت والزمن قيمة وأهمية أكثر من أي شيء آخر حتى الأحاسيس والمشاعر الجياشة التي تعبر عن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان أصبحت تخضع للشعور الإلكتروني وإلا كيف أصبحت التهاني بالمناسبات الدينية والأعياد السعيدة..
..عبارة عن رسالة إلكترونية SMS أو MMS وكفى ويظن مرسلها أنها تحقق الهدف من التهنئة وهو التواصل الإنساني الممزوج بالمشاعر الفياضة والأريحية الخلاقة، وقد ازدادت هذه المشاعر الإلكترونية خلال هذا العام في رمضان والعيد وأصبح استخدام رسائل الهاتف النقال والبريد الإلكتروني أسرع من إعلان المناسبة نفسها وتساهم شركات الاتصالات في توفير النصوص والكلمات وليس على الفرد إلا كبس الزر وإرسالها. وكما هو الحال في المناسبات السعيدة انتقل الأمر إلى الأحزان والآلام حتى أصبحت المشاعر متحجرة للأسف مسايرة للواقع وبدلا من المشاركة الشخصية تحوّل الأمر إلى الرسالة البريدية، ثم إلى المكالمة الهاتفية وانتهى بالرسالة النصية.
إن أضعف الإيمان هو الصوت الذي يؤكد تأثر الإنسان بمصيبة أخيه وصديقه وقريبه وهي حالة أقرب إلى الوجدان والعواطف، أما الرسائل النصية الجافة وإن كانت رطبة الكلمات والألفاظ إلا أن وقعها أقل تأثيراً بل قد لا يكون لها أي تأثير. إن التهنئة بالمناسبة السعيدة والمشاركة في المصيبة يجب أن تخرج من الأعماق وتظهر على المحيا ويبرزها الصوت فتختلج وتختلط وتعطي ارتياحا نفسيا للمتلقي ويشعر بمقدار المشاركة وأهميتها.
لقد مررت بهذه المشاعر الإلكترونية خلال الأسابيع الماضية، وأؤكد أن كثيراً مثلي لاحظوا ذلك، فمنذ دخول شهر رمضان استمعنا إلى نغمات الهاتف الجوال التي تبلغك برسالة تهنئة وعند حلول عيد الفطر كذلك وازدادت كمية الرسائل الهاتفية المتبادلة مما أدى إلى ارتفاع أرباح شركات الاتصالات على حساب المشاعر والأحاسيس، كما أن نفس التواصل والمشاركات انتقلت من التهاني إلى التعازي بالميت واكتفى الأصدقاء والزملاء والأحبة للأسف برسائل الهاتف ولم يكلفوا أنفسهم بدلا من الرسالة النصية عمل مكاملة هاتفية قصيرة تعبر إلى وجدانك وتحسسك بمشاعره ومشاركته واعتذاره عن عدم تمكنه من الحضور الشخصي والمشاركة خلال أيام العزاء. إن المشاعر الإلكترونية غزت وانتشرت وإن استمر الحال كذلك فإن تبلد الحس وتجمد المشاعر يؤدي إلى انقطاع التواصل وتباعد الناس والانعزالية والانغلاق بينهم وهو ما لا أتمنى حدوثه أو استمراره.
إننا كمسلمين وعرب وسعوديين يجب أن نكون نموذجاً - ونحن كذلك إن شاء الله - للتراحم والتعاطف والتكاتف والمشاركة الوجدانية والأحاسيس المعنوية والطبيعية في الفرح والترح إن لم تكن المشاركة الشخصية واجبة وممكنة.