ماذا لو فجعُت بموت صديق عزيز ولسبب تافه؟ ماذا لو فجعت بفقد أخيك، أبيك، ابنك، ولذات السبب؟!
ماذا لو فجعت بفقد عائلة كاملة من أقربائك الأدنين وبنفس السبب التافه إياه؟
***
صحيح أن الموت قضاء وقدر وأن (من لم يمت بالسيف مات بغيره - تعددت الأسباب والموت واحد).
وصحيح أن (طعم الموت في أمر حقير - كطعم الموت في أمر عظيم) ولكن الموت في أمر عظيم يحيا في ذاكرة الأحياء زمنا طويلا ويستوجب الرحمة فكلما تذكروا ذلك الموت، بل ويستوجب الثناء على عظمة ذلك الموت وذلك الميت ولكن (الموت المجاني) لا يترك سوى الأسى والأسف ولا يتبقى سوى السلوى والنسيان والحقد على المتسبب والدعاء عليه إلى أبد الآبدين.
**
والموت في الأمر العظيم هو الاستشهاد دون الوطن والدين والكرامة والعرض وافتداء الروح لتنقذ أرواح أخرى. أما الموت الحقير فهو الذي أشار إليه خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو يعاني سكرات الموت (أي الموت على السرير كما يموت البعير) والموت الذي بسببه لا تنام أعين الجبناء، ونعني بذلك أيام الفروسية والبطولة والجهاد أما اليوم فإن الجبناء هم الذين يحصدون أرواح الشجعان وتنام أعينهم (عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصموا). والجبناء الذين نعنيهم اليوم هم المتهورون - بلا شجاعة - الرعناء بلا إدارة، المجازفون بلا عقل، القاتلون بلا أهداف سوى إزهاق أرواح البشر الآمنين في الميادين السوداء التي غالباً لا تجف عنها دماء الأبرياء سواء أكانوا أفراداً أو أسراً (رجالاً، كهولاً) نساء أطفالاً، كل هذا بسبب من يقودون آلات الموت وهم يجوبون الشوارع (مفحطين، مشفطين) معفطين لأنظمة المرور ومستهترين باللوائح ومستهزئين بقواعد السلامة ومستسهلين أرواح الناس.
**
صدقوني إن هؤلاء هم أعداء الوطن والشر المستطير على المواطن لأنهم يقتلون من بني جلدتهم أكثر مما تقتله الحروب والأوبئة والإرهابيين وبسبب تافه كما أشرنا في كل ما أسلفناه في هذه المقالة المتشائمة (القانطة) وأقول قانطة إذا لم تشمر كل السواعد المحبة للحياة والمحبة للوطن لكبح جماح هذا الموت المجاني المستشري السخيف ويكون كل مواطن هو رجل مرور أي نعم رجل مرور للدفاع عن حياة الوطن لأن حوادث المرور أصبحت تحصد منا ما لا يتخيل من أرقام. وإلا لما أصبحت المملكة وللأسف الشديد الدولة الأولى في العالم بحوادث السير بدلاً من أن تكون كما هي دوماً الأولى بأعمال الخير. فمتى نصحو لهذه الكارثة؟!