والغاوون الذين أعنيهم هم (بعض) الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون ونجدهم في كل وادٍ يهيمون، وهم على كل فن يلهجون ويصدحون، يطبلون ويزمرون ويركضون مع (العجة) و(الحاجة) وهم لكثرتهم نكاد لا نتبين ملامحهم، مضببون في فضاء مضبب، يزيد من حضورهم أن الشعر..
..أصبح مجالا للثراء بامتياز، يكتبون وينشرون بعجالة وبلا أدنى تأن، وبصيغ جاهزة مكررة، يتكاثرون باضطراد مع ولادة كل قناة فضائيه، الفضاء أصبح مفتوح لهم، وكل من يملك بريدا الكترونيا يمكن أن يكون شاعرا بسرعة الصاروخ العابر للصوت، بل وأحيانا يصفون أنفسهم بالشعراء الكبار ؟؟!! صورهم الفوتغرافية بهندام مميز وتقليعة (غير) جزء أساسي من النشر وهو عندهم جزء هام ومهم كالعنوان، أنهم يمارسون الشعر لإشباع نزواتهم الذاتية فقط دون أن تستكمل القصيدة صورها التقليدية أو أعرافها الشعرية، أنهم يتناسلون بكثرة كالجراد ولهم سلالات وامتدادات غير معروفة، ولهم أساليب لم نعتدها من قبل، المسافات عندهم تتقلص، والحدود بينهم تنهار، والتعارف بينهم لا يتجاوز سرعة الضوء، والحب عندهم صار متاحا بجرة قلم أو بكبسة لوحة مفاتيح الحاسب الآلي، متحدين بذلك الشعراء القدامى الذين تعروا وجاعوا من أجل الحب وإرهاصاته، والإنسانية واحتياجاتها، الشعر عندهم صار حالة ثراء وتجارة وبروزا اجتماعيا دون أدنى تعب، إنهم أصبحوا مثل الساحر الذي يخرج أرنبا من قبعته محاولا إثارة الدهشة، لكنه لا يستطيع أن يخرج لنا سلسلة جبال عملاقة أو بناية كبيرة، أن السحرة يفعلون العجب العظيم تحت سرادق السيرك، وهو ما ينطبق على (بعض) الشعراء الذين لم ينج الشعر منهم ولم يصبح له دهشة، أن الشعراء الذين يصنعون الهاجس الإبداعي وأهميته هم عدد محدود بالمقارنة مع الشعراء الذين يحتفلون بذواتهم ويهتمون بها أكثر من الإبداع واختراع المفردة الجديدة أن (بعض) هؤلاء الشعراء لا يملكون الحظوة الحضورية والقيمة الإبداعية المدهشة والمبتكرة لكي تحتضنهم ذاكرة التاريخ والناس بقوة وبتفرد إلى مئات السنين القادمة، وسوف لا يكونون مثالا في العظمة والمقدرة الإبداعية؛ مثل أولئك الذين صاروا لنا مثالا وحفظهم التاريخ، وسوف يلفظ من دونهم ممن غدوا عاجزين أن يبلغوا اهتمامنا، إنني أكاد أن أتنبأ أن مثل (بعض) هؤلاء الشعراء أنهم لن يحصلوا على عناية التاريخ لأن التاريخ يحاول دائما أن يأخذ برحلته المميزين والمبدعين وغير العاديين، وذلك لأسباب عدة، منها: أن هناك أعدادا كبيرة من الشعراء لم نحفل منهم بشيء سوى (الضجيج) الذي يوصلنا إلى حد اليأس، أن (بعض) هؤلاء الشعراء لا يملكون (العبقرية) الشعرية، ولكن ثمة (وهم) عبقري جعلهم مأخوذين وجعلهم يتقاسمون روح الشعر وجسده لكي يبقوا فقط حضورا ووجاهة اجتماعية واسترزاقا وشحذة.
إن هياج الحرب الشعري والجدالات الأسطورية بين (بعض) هؤلاء الشعراء في كل تجمع أو أمسية أو قناة فضائية تجمعهم تجدهم مصابين بوهم الانتشار والبروز وتحدي بعضهم وسط ركام القصائد المتشابهة فاقدين بذلك حساسية التذوق الشعري وسط اختناقات الكلمات الجاهزة، الشعر عندهم يأتي بصورة سطحية وبدون جهد ذهني أو عناء، بل يعتمدون على سليقة صنعها وعيهم الذي جاء من خلفية ثقافية واهية تليدة في المنهج والتعليم..
في الأخير، ألستم توافقونني بأن الشعر أصبح الآن حالة غريبة لم نألفها من قبل، وأن (بعض) الشعراء لم يعودوا ملائمين لفتح شهيتنا المتأهبة للقراءة والارتحال إلى عالم أكثر حسنا وجمالا وصفاء نفس، لأنهم أصبحوا مثل البعوض الذي يدمي ويساعد على انتقال الأمراض، أو بالأصح ،مثل الهنود الحمر الذين يتحلقون حول النار وفق رقصة بهلوانية جنونية صاخبة لا يعيها ولا يفهمها إلا هم وبعض المتحلقين حولهم.
هامش:
هي دعوة ل(بعض) الشعراء لكي يكتبوا بسلام وإخلاص ومثابرة وجوهر وإبداع وجهد حقيقي واحترام بعيداً عن حمى الكلام المشوش، فما أكثر ما يكتبه هؤلاء (البعض) وما أقل الشعر فيه.
ramadan.alanazi@aliaf.com