فرق بين الاثنين (الصراع والحوار) في الفضاء الفكري خصوصاً، فالمحاور هو من يبحث عن الحق ويرشده الدليل ولا يتترس خلف أيديولوجيات معينة تُغيِّب عنه القول الصواب وتجعله لا يقبل ما يُقال حتى ولو كان أبلج مثل الشمس في رابعة النهار فهو يدور مع الحق وجوداً وعدماً، والحكمة ضالته أنّى وجدها فهو أحق بها، أما المصارع فهو من يستميت، بل يموت من أجل أن يبقى ما يقول حتى ولو كان في قرارات نفسه يعلم أنه ليس هو الصواب، ولا دلائل يمتلكها تبرهن على أن مشروعه الفكري الذي يتبناه عن قناعة واطلاع أو محاكاة وتقليد هو الذي سيحقق مصلحة الوطن ويلبي متطلبات المواطن!!، ولكن كيف لنا أن نحكم أن العلاقة بين المفكرين والمثقفين المحليين على اختلاف مشاربهم وتباين اتجاهاتهم علاقة طيبة مبنية على الحوار لا الصراع؟؟ هل تعتقدون مثلاً أن التقاءهم في المناسبات الرسمية وسلام بعضهم على البعض الآخر دليلٌ كافٍ للحكم القاطع على صفاء القلوب وسلامة الصدور، أم أنه مجرد سلام مجاملة وتسجيل مواقف أمام المسؤول وبحضور الجماهير وكاميرات التصوير.. وما في القلوب لا يعلم به إلا الله.. ثم الراسخون في العلم ومن قبلهم المقربون وبعض الأتباع والحلفاء الفكريين الذين تجمعهم بهم المصالح المشتركة ولو إلى حين؟، وهل جلوسهم على طاولة واحدة وتجاذب أطراف الحديث الودي بينهم أو حتى تحاورهم الموسع في قضايا الوطن تجعلنا نؤكد وطنيتهم ونطمئن إلى أننا نعيش مرحلة الحوار الوطني الحر الذي دشن مشروعه الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- ولا وجود للصراع في قاموس أي منهم (فالاختلاف بينهم لا يفسد للود قضية)، و(مصلحة الوطن فوق كل اعتبار)، أم أن الأمور في بواطنها خلاف ظواهرها فهي إلى الكره والحقد والبغض أقرب، نتيجة اختلاف المرجعية الأساس، وبسبب وجود التباين الأيديولوجي الصارخ الذي لا يمكن تجاهله، ومحاولة التأثير على القرار السياسي خصوصاً المحلي منه وما هو في صميم النسيج الاجتماعي على وجه الخصوص، وكذا تنافسهم الواضح على امتلاك الساحة المحلية، والوصول إلى طبقات المجتمع المختلفة عامة والمتوسطة بخاصة والشبابية منها على وجه الخصوص، والعمل المخطط له من أجل توجيه الرأي العام عبر الوسائل المتاحة في ساحتنا المحلية، بل والبحث عن وسائل أخرى تعزز الوجود الفكري وتقوي التواصل مع الفئة المستهدفة، وقبل هذا وذاك.. هل بالفعل هناك مشاريع فكرية حقيقية يحملها جمع من المفكرين والمثقفين السعوديين.. أم أنها مجرد آراء ذاتية واجتهادات فردية مبنية على مرجعيات مختلفة قد تتفق هذه الآراء أحياناً بين (س) من الناس مع (ص) وربما اختلفت وتقاطعت في يوم ما، هل نحن أمام أزمة حقيقية في الخطاب الفكري السعودي.. أم أنها ظاهرة طبيعية تمر بها المجتمعات حين تعقد العزم على التغيير الذي ينبثق غالباً من رؤى فكرية ويقوم على تصورات ذهنية ناجزة؟.. هل استطاع الخطاب الإسلامي التغلب على إشكالياته الداخلية.. أم أنه ما زال يراوح مكانه، وعلى افتراض أنه نجاح في التجاوز، فهل هناك تيارات أخرى تمارس الإقصاء لهذا التوجه بكل أطيافه أم أنه هو من مارس وما زال يمارس ما يمكن أن يُسمى إقصاءً تحت شعار (الخصوصية) و(المحافظة على الهوية) ومن (باب سد الذرائع)، و(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وما إلى ذلك، هل هناك يسار ويمين وبينهما ومن بعدهما أطراف فكرية محايدة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. إلى أين نسير اليوم ومن يحرك السفينة الفكرية، كم هي المسافة بين التيارات الفكرية التي تتجاذب أرض الوطن، ولماذا يصفق البعض للبعض مع أنهما في خندقين مختلفين، هل هو لإثبات حسن النوايا.. أم أنها المغازلة الفكرية.. أم أنه إعلان هدنة مؤقتة، أم هو تخطيط تكتيكي لزمن وانتظار للفرصة المناسبة من أجل الانقضاض أم...؟؟ أين توارت بعض التيارات الأيديولوجية الكبرى التي كانت على الساحة المحلية يوماً ما، هل هي في مرحلة كُمون وانتظار للساعة.. أم أنها ماتت وذابت في غيرها، ما هي مؤشرات الحراك الفكري السعودي، وهل المشهد الثقافي المحلي يبشر بخير أم أنه فجر كاذب لمستقبل يُراهن عليه وينتظر على أحر من الجمر؟!! أسئلة عدة تقول في مفهومها الضمني ودلالتها الحقيقية إننا نعيش مرحلة صراع أيديولوجي.. لا حوار فكرياً به نضمن التعددية الثقافية التي ينشدها قادة بلدنا المعطاء المملكة العربية السعودية.. ومواقع الإنترنت المحلية تؤكد ذلك وتبرهن عليه، والخطوة العلاجية والوقائية الأولى - في نظري - بيد القائمين على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني (النسخة الثانية) خصوصاً التي اجتمع فيها أعمدة الحركة الفكرية في المملكة العربية السعودية فكانت المكاشفة والمصارحة من أجل الوطن وفي سبيل الرقي المنشود وإلى لقاء والسلام.