تعالت الأصوات بعد نجاح (أرامكو السعودية) في إنجاز مشروع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مطالبة بإعطاء الشركة الدور الرئيس في تنفيذ مشروعات الدولة التي يعاني بعضها من بطء التنفيذ وتدني مستوى الكفاءة. نجاح أرامكو السعودية في تولي مسؤولية إنشاء الجامعة بكفاءة ومهنية عالية وفي مدة زمنية قصيرة كشف عن الفارق الكبير بينها وبين الوزارات الخدمية في تنفيذ وإدارة المشروعات.
نجزم بأن أرامكو السعودية قامت بدور فاعل في تنفيذ مشروع الجامعة، إلا أنه لا يمكن وصف ما قامت به (أرامكو) بالعمل الاستثنائي لأسباب كثيرة؛ الأول أن القاعدة في أرامكو السعودية تعني الإنجاز الدقيق المنضبط، وهو جزء من ثقافتها الراسخة، أما الاستثناء فهو التعثر في الإنجاز، وعدم تحقيق الهدف. وإسناد مهمة إنجاز مشروع الجامعة لها بُني في الأساس على هذا السبب.
الثاني أن مدير المشروع الرئيس هو وزير البترول والثروة المعدنية، عراب الجامعة، ونائبه هو رئيس شركة أرامكو السعودية، ومن الطبيعي أن تُضمن نتائج المشروع قبل البدء به طالما تولى (قائدا الإنجاز) مشروع الجامعة.
الثالث أن أرامكو السعودية تتمتع بميزانية مفتوحة يمكنها التصرف بها دون الحاجة إلى المرور عبر أنفاق الاعتمادات المالية المتشابكة؛ ما جعلها تتخلص من أهم معوقات التنفيذ المتمثلة في البيروقراطية. الرابع أن المشروع وضعت له الدراسات الشاملة، وحددت مواعيد مراحل تنفيذه بكل دقة، وتفوقت أرامكو السعودية في عملية الإشراف والمتابعة على محورين أساسيين جودة التنفيذ والالتزام بالوقت. وما زاد من فاعلية الإشراف والمتابعة، المتابعة الملكية من خادم الحرمين الشريفين الذي استمر في تتبع مراحل التنفيذ ومقارنتها بالوقت المحدد، وزاد أن أشرف على الموقع من خلال الزيارات الملكية الكريمة.
يكمن الخطأ في مقارنة نجاح أرامكو الرائع في إنجاز مشروع الجامعة بتعثر الوزارات الخدمية في تعاملها مع مشروعات التنمية التي ما زالت عالقة على الرغم من الميزانيات الضخمة التي رصدت لها؛ ما يجعل ردود الأفعال تبدو أكبر حجماً مما يُفترض. ربما جاءت ردود الأفعال ضمن دائرة التوازن لو قوُرِنَ إنجاز أرامكو الحالي بإنجازاتها الأخرى العظيمة كتنفيذ مشروع حقل (شيبة)، على سبيل المثال، أو إدارتها الشاملة لأهم حقول النفط في العالم ومقدرتها على ضبط حركة الإنتاج العالمي والأسواق من خلال كفاءتها في إدارة أكبر شركات النفط العالمية أو بمقارنته مع إنجاز الهيئة الملكية للجبيل وينبع في مدينة الجبيل، ونجاحها في إنجاز مشروعات مدنية، وصناعية ضخمة بعشرات المليارات في مدة زمنية قصيرة. أو لعل ردود الأفعال تكون أكثر توازناً إذا ما قيس إنجاز أرامكو لمشروع الجامعة بنجاحات الشركات العالمية في المنطقة وكيف نجحت في تشييد مُدن ناطحات السحاب، الجامعات، المطارات والبنية التحتية الشاملة في بِضع سنين. النجاح لا يُستكثر من الناجحين، ونجاح أرامكو يفترض ألا يكون مستغرباً عطفاً على تاريخها العريق وإنجازاتها، والإمكانات المتاحة لها. ربما كانت تلك الدهشة مبررة لو أن إحدى الوزارات الأخرى قامت بذلك الإنجاز! وهذا ما يقودنا إلى السؤال الأكبر: لماذا تعجز وزارات الدولة الخدمية عن إنجاز المشروعات الطموحة وفق المواصفات العالمية في وقتها المحدد؟ وهل يمكن أن تسند المشروعات الحيوية لشركة أرامكو السعودية أو تحويل أرامكو إلى ما يشبه (وزارة الأشغال)؟
تعجز الوزارات الخدمية عن تنفيذ المشروعات الطموحة لأسباب كثيرة، منها: غياب الرؤيا الشاملة، وتخلفها عن مسايرة المدنية المتطورة، والمشروعات الحديثة، وعجزها عن وضع المخططات والمواصفات العالمية الدقيقة، واختيار الجهة الإشرافية الكفؤة، ومبالغتها في تقييم ميزانيات المشروعات، وسلبيات آلية ترسية العقود، والسماح بإرساء العقود الصورية على المنفذين الرئيسين المتنفذين، وغض الطرف عن تحويلهم العقود إلى مقاولي الباطن، وتحويل مقاولي الباطن المشروع إلى مقاولين آخرين؛ ما يخفض من قيمته بسبب اقتطاع حصة من قيمة العقد (عمولات تحويل العقود)؛ ما يجعل المقاول الأخير في حيرة من أمره بسبب انخفاض قيمة العقد المستلمة عن التكلفة الحقيقية، خلافاً لقيمته الأصلية؛ فيضطر المقاول إلى خفض المواصفات، أو الغش، أو الانسحاب معلقاً المشروع لسنوات بسبب (عقود الباطن).
تأخر إنجاز المشروعات الحكومية، وسوء تنفيذ أكثرها، على الرغم من استحواذها على ضعف ميزانيات المشروعات المثيلة لها في دول العالم، وما قابله من اكتشاف (النُخب) المتأخر لقدرات أرامكو الخارقة في مجال إدارة التنمية وتنفيذ المشروعات، قاد إلى المطالبة بإعطاء أرامكو الدور الرئيس في مشروعات التنمية.
قطعاً أرامكو ليست الحل، بل هي جزء منه، وهي قادرة على المساعدة والدعم، وإنجاز ما يطلب منها بكفاءة واقتدار، إلا أن دور أرامكو الرئيس في قطاع النفط يفترض ألا يسمح لها بالاندماج الكلي في مشروعات التنمية وإلا تأثر عملها الرئيس، وربما تشتت تركيز قيادييها؛ ما يؤثر في مخرجات الشركة في الجانبين مستقبلاً.
الحل يكمن في نقل ثقافة أرامكو إلى وزارات الدولة من خلال شركات تطوير عالمية، خاصة فيما يتعلق بطرح المشروعات بمراحلها الرئيسة، وفي مقدمها: التصميم، تقييم التكلفة العادلة، اختيار المنفذ، وجهة الإشراف وفق تصنيف عالمي، الالتزام بالوقت وعدم السماح بتحويل المشروعات إلى مقاولين آخرين. إضافة إلى مراجعة أداء الوزارات، وربط توزير الوزراء بتحقيق الأهداف التي يفترض أن يتقدم بها كل وزير لتحقيقها خلال سنوات وزارته الأربع، وأن تكون هناك مراقبة ومحاسبة لكل من يعجز عن تحقيق الأهداف، وأن يُعطى مجلس الشورى الموقر دوراً أكبر في متابعة أداء الوزارات وفق ما يعرضه الوزراء من خطط ومشروعات مستقبلية.
أقترح أن تؤسس الحكومة شركة مستقلة باسم (أرامكو للتنمية والتطوير) فتكون ذراعها التنموية في الوطن، وتضع عليها من تختار من العقول المنفتحة من خريجي (جامعة أرامكو)، والخبرات العالمية، ويكون لها مجلس إدارة يضم أفضل القيادات الوطنية الناجحة عملياً، ويرتبط المجلس مباشرة بمقام رئيس مجلس الوزراء الذي كان له الفضل - بعد الله - في اكتشاف قدرات أرامكو السعودية الفائقة في مجال تنفيذ المشروعات المدنية الاستراتيجية، وتعريف المواطنين، وعلى رأسهم (النخب)، بتلك القدرات الكامنة.
****
f.albuainain@hotmail.com