من المفترض أننا أصبحنا الآن في أوج وباء البدانة المتفشي. لقد أصبح الجميع أكثر بدانة، فالأبناء أكثر بدانة من آبائهم، والأمراض الوبائية الناجمة عن الشحوم أصبحت الآن جلية واضحة: السكري من النمط الثاني، وارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والمزيد من حالات السرطان. والعجيب أن وباء (البدانة العالمية) هذا ينتشر في البلدان الفقيرة كما ينتشر في البلدان الغنية.
ولكن هل يعاني الناس حقاً من البدانة المرضية إلى هذا الحد؟ هناك بكل تأكيد أشخاص بدينون إلى حد السقم، ويعرضون حياتهم للخطر بسبب أوزانهم الزائدة. ولكن فلنتأمل هنا حالة السجان البريطاني دانيال لامبرت (1770-1809)، الذي كان طوله 155 سنتيمتر، ووزنه 335 كيلوجراماً، ورغم ذلك فلم يكن يشرب أو يأكل أكثر من طبق واحد في كل وجبة. وإلى أن وافتته المنية كان معروفاً بأنه رجل يتمتع بقدر عظيم من (الاعتدال وضبط النفس)، أو بعبارة أخرى كان يعتبر شخصاً سعيداً موفور الصحة.
يبدو أن المشكلة اليوم هي أننا نصور (الدهون) وكأنها شيطان رجيم، حتى بين الأشخاص الذين نعتبرهم من أصحاب الوزن الزائد، ولكنهم ليسوا بدينين.
الحقيقة أننا خفضنا حدود (الوزن الزائد) حتى أصبحت تشمل أشخاصاً يعتبرون (طبيعيين)، وذلك منذ جيل واحد. ثم اعتبرنا الشحوم والدهون من بين المخاطر الصحية العامة الكبرى في عالمنا، وأصبحنا ننظر إلى البدينين من الناس باعتبارهم السبب وراء نطاق كامل من المشاكل الاجتماعية، بداية من فرض الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية إلى تشكيل خطر على أسرهم.
لقد حدَّدنا العديد من أسباب البدانة، وبعضها متناقض. فيشير البعض إلى التحول الذي طرأ على (نوعية الحياة): فنحن نعيش لمدة أطول، ونمتهن حرفاً أقل إجهاداً لأبداننا، ونستطيع الحصول على المزيد من الغذاء بسهولة. فضلاً عن ذلك فإن فرصنا أوفر في الوصول إلى الأطعمة الرخيصة (الرديئة) أو (السريعة)، إضافة إلى عدم توافر الفرصة لممارسة الأنشطة البدنية في المناطق التي تعاني الفقر المدقع، وهذه هي حجة (بدانة الفقر) التي تجعل من الفقر أحد العوامل المساهمة في زيادة الوزن بصورة مرضية.
ويزعم آخرون أن تركيبتنا النفسية الفردية هي المسؤولة عن البدانة: فنحن نعتمد على الطعام باعتباره وسيلة للتعامل مع بيئتنا. وبموجب هذا الافتراض فإن البدانة ببساطة عبارة عن سلسلة متصلة من اضطرابات الأكل تسير على نفس الخط مع فقدان الشهية العصبي، الذي تم تعريفه باعتباره مرضاً ذهنياً. ولكن الإفراط في تناول الطعام أيضاً يُعَد إدماناً، وهو ما أصبح اليوم مفهوماً على نحو مماثل من الناحية الطبية باعتباره ميلاً وراثياً مرضياً يظهر في فرد أو جماعة.
ولكن البدانة يُنظَر إليها أحياناً باعتبارها ميلاً وراثياً (طبيعياً) محتماً، وهو ما يُفهَم باعتباره دافعاً بيولوجياً تطورياً إلى تخزين الدهون في الجسم كاحتياط ضد التضور جوعاً في أوقات المجاعة. ولقد وردت هذه الحجة لأول مرة في بحث نُشر في عام 1994 بواسطة يينج تشانج وزملائها عن العوامل الوراثية المرتبطة بالسمنة في الفئران، الذي انتهى إلى مد تطبيق النتائج على البشر.
إنَّ السمنة قد تكون راجعة أيضاً إلى خلل في النمو الطبيعي ناتج عن تغيرات مرضية، تتراوح ما بين الأورام إلى الشيخوخة (التي تُفهَم أيضاً باعتبارها عاملاً مرضياً) في نظام الغدد الصماء. فكلما تقدم بنا العمر نصبح أكثر بدانة، بصرف النظر عما نتناوله من أطعمة، وإن كان هذا يبدو متناقضاً مع الحجة القائلة بأننا نحتاج إلى تخزين الشحوم لكي نتجنب المجاعة. ومن هذا المنظور فإن الشيخوخة السكانية تعني انتشار البدانة بين السكان في الولايات المتحدة، والصين، واليابان، والكثير من بلدان أوروبا.
وأخيراً، قد تكون السمنة نتيجة لعدوى تصيبنا نتيجة للتعرض لعامل يجعلنا نصاب بالسمنة. واليوم هذا العامل هو الفيروس الغُدَّاني 36 (Ad-36)، وهو يحفز نمو وتكاثر الخلايا الدهنية، ويعجل بنمو الخلايا الدهنية غير الناضجة، على الأقل في الدجاج.
بطبيعة الحال، أي عدد من هذه الأسباب الاجتماعية أو النفسية أو الوراثية قد تتضافر لتشكل السبب وراء البدانة لدى أي إنسان (حقيقي). ولكن الجميع يعتبرون الشخص البدين موضوعاً يستحق التدخل. وهذا النموذج سائد في دوائر الصحة العامة، رغم أن قائمة الأسباب المتداخلة والمتناقضة لا بد أن تدفعنا إلى مراعاة عوامل خارجة عن سيطرتنا. ولقد عبر القديس أوجستين عن هذا الموقف حين قال: (في خضم كل هذه المغريات أناضل يومياً ضد النهم إلى الطعام والشراب. وهذا ليس بالشر الذي قد أقرر الامتناع عنه وعدم العودة إليه أبداً، كما كانت الحال مع الزنا).
هل نحن على الطريق إلى البدانة المفرطة إذن؟ وماذا يعني تعريف (بدين للغاية) فيما يتصل بسعادة الفرد وصحته؟ وما الأسباب التي تجعلنا نزداد بدانة (إن كانت هذه هي الحال بالفعل)؟
إذا اعتبرنا أنفسنا هنا إزاء مشكلة تتعلق بالصحة العامة، فقد يكون الأمر عبارة عن سلسلة من المشاكل المتأصلة في افتراض خاطئ: نمو النطاق وعلاقته المطلقة بالصحة السيئة. لا أعني بهذا عدم وجود مشاكل صحية مرتبطة بالسمنة، ولكننا تسببنا في خلق حالة من الهلع الأخلاقي بشأن تأثير زيادة الوزن على المجتمع، وعلى الأسرة، وعلى سعادتنا الشخصية. إن رؤيتنا لوباء عالمي من الدهون راجع إلى مؤامرة بين منتجي المأكولات السريعة وجيناتنا أمر غريب في اعتقادي، ولكن ثقافة اتباع نظام غذائي تعتمد في المقام الأول على شعورنا بضرورة السيطرة على هذا الوباء.
إن كل فئة عمرية، وكل ثقافة، وكل مجموعة من التقاليد تحدد لنا ما هو غير مقبول من حيث وزن الجسم غير سليم صحياً، أو قبيح، أو فاسد. ويتعين علينا أن نفهم هذا الأمر باعتباره عملية تهدف إلى خلق أجسام مثالية أو طبيعية، هذه الأجسام التي نرغب في سكناها ولكن يكاد يكون من المؤكد أننا لن نحصل عليها أبداً.
خاص بـ«الجزيرة»
ساندر ل. جيلمان أستاذ الآداب والعلوم الليبرالية بالمعهد العالي للآداب الليبرالية بجامعة إيموري في أتلانتا بولاية جورجيا.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org