Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/10/2009 G Issue 13522
الثلاثاء 17 شوال 1430   العدد  13522
حديث المحبة
البغي والبغاة
إبراهيم بن سعد الماجد

 

يقال في اللغة: بغى على الناس بغيا: أي ظلم واعتدى فهو باغ والجمع: بغاة، وبغى: سعى بالفساد، ومنه الفئة الباغية.

وعموم الفقهاء متفقون مع هذا المعنى اللغوي ولا يخرجون عنه إلا بوضع بعض القيود في التعريف. فعند الحنفية البغي لغة: الطلب، وعرفا (أي المعروف في الفقه) طلب ما لا يحل من الجور والظلم، والباغي في عرف الفقهاء: الخارج عن طاعة إمام الحق.

ويصفهم صاحب بدائع الصنائع بقوله: البغاة: هم الخوارج، وهم قوم من رأيهم أن كل ذنب كفر، كبيرة كانت أو صغيرة يخرجون على إمام أهل العدل، ويستحلون القتال والدماء والأموال بهذا التأويل ولهم منعة وقوة.

وعند المالكية: البغي لغة: التعدي، وشرعا: الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية.

وقال ابن العربي هو: الطلب، إلا أنه مقصور على طلب خاص وهو: أن يبغي ما ليس ينبغي ابتغاؤه شرعاً.

أردت من هذه التعريفات التأكيد على أن ما يقوم به هؤلاء المارقون من الدين هم في الحقيقة (بغاة) لأنهم سفكوا الدماء، وخربوا الديار، وروَّعوا الناس، وخلعوا يداً من طاعة، والرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، أو كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام.

والحادثة التي هزت وجدان كل مسلم في أدنى الأرض وأقصاها.. حادثة محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز تلك الحادثة التي تمثل الغدر عينه، والخسة ذاتها لم تصدر في ميدان المواجهة أو من خلال عمل تكتيكي عسكري معتبر، وإنما كانت من خلال عمل أقل ما يمكن أن يطلق عليه أنه عمل جبان وخيانة وغدر، والمستمع للمحادثة الهاتفية التي تمت بين سمو الأمير والمنتحر يدرك أن القضية ليست قضية هذا المنتحر فحسب وإنما هي قضية فكر هذه الفئة التي خرجت من الدين قبل أن تخرج على ولي الأمر بارتكابها أشنع وأعظم الذنوب وهو استحلال الدم الحرام، وكذا الأشهر الحرم، فليس هذه الحادثة الوحيدة التي تحصل في شهر عظيم أو شهر حرام فقد سبقتها حوادث في شهر رمضان وفي أشهر حرم بل وفي بلد حرام وهو مكة المكرمة.

وحال هؤلاء البغاة لا يختلف أبداً عن حال سابقيهم في عصر صدر الإسلام حيث كانت الشرارة الأولى بمقتل عثمان بن عفان الخليفة الراشد - رضي الله عنه - على يد بغاة كانوا يعلنون الفرار من الدار صباحا مساء، ولكنهم يفعلون ما يقربهم إليها، وما ذلك إلا لفقدهم البصيرة التي أعمت أعينهم عن الحق فالتمسوا الحق في الباطل، وساقهم إلى سوء المصير.

ومقولة علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- لما سأله أحدهم عن الخوارج أمن أهل النار هم؟ قال: بل من النار فروا إلا أنهم أخطأوا الطريق، تأكيد على أنهم ممن يبحثون عن الحق ولكنهم يسلكون مسالك الباطل، بل إنهم من شدة حرصهم على الخير يفدونه بأغلى ما يملك الإنسان وهو النفس لاعتقادهم أن المطلوب غالي الثمن وهذا المطلوب (الجنة).

يسعون بفكر منحرف إلى حتوفهم معتقدين أنهم على الصراط المستقيم، وهم أبعد ما يكونون عن هذا الصراط.

ولكن أعظم الذنوب وأشنعها بعد الشرك بالله الغدر، وما يتبعه من خيانة ونقض للمواثيق، وما محادثة هذا المنتحر مع الأمير محمد إلا من أغلظ المواثيق، وقد ذكرتني بعض جمل المنتحر بأبي لؤلؤة المجوسي قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهي الكلمات نفسها وإن اختلفت الملل والأهداف.

الشيء الذي أعتقد أنه ما زال غائبا عنا في تعاملنا مع هذه الأفكار وهؤلاء المنحرفين سواء كان انحرافهم ذات اليمين أو ذات الشمال هو قضية التحليل الدلالي لما يقال أو لما يكتب، ولا أعني بهذا الدخول في النيات فهذا أمر آخر، ولكن الذي أريد أن نصل إليه هو تحليل تلك المضامين في حالة الاشتباه ليس إلا.

وإلا فالدين الإسلامي الذي هو دين هذه الدولة يحرم التجسس والحكم على الظاهر، ولكنه لا يحرم البتة أخذ الحيطة والحذر.

إن قضيتنا ليست من وجهة نظري قضية فكر واحد بل إنها أيضاً قضية الفكر الذي يزعم أنه فكر مضاد وهو في الحقيقة من يؤجج هذا الفكر التكفيري المنحرف، لذا فإن القضية تحتاج إلى مزيد من الدراسة ومزيد من النقاش ليس على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات وإنما من خلال مراكز الدراسات المتخصصة المتنوعة ذات الثقة والمصداقية، ولو استدعى الأمر إنشاء مثل تلك المراكز وعلى وجه السرعة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد