«الجزيرة»- عبدالله البراك
في أعقاب التسوية التي عقدت بين مجموعة سعد والبنوك السعودية، وما تلاها من تساؤلات طالتها بين مؤيد لمبدأها وبين معارض له متذرعا بأساسيات الإفصاح والشفافية، التقت (الجزيرة) الدكتور عبدالرحمن الحميد -أستاذ المحاسبة والمراجعة في جامعة الملك سعود-، الذي قال: في البداية يجب أن نعترف بأن ليس هناك تعريف علمي أو عملي واضح لمصطلح الإفصاح ليس على مستوى الوطن العربي فحسب ولكن على المستوى العالمي، فكلمة إفصاح إلى الآن ليس لها تعريف دقيق فبعض الأحيان تكون كلمة يراد بها حق وتصل إلى الحق وبعض الأحيان تكون كلمة حق يراد بها باطل، والحال كذلك حتى بالنسبة للنظام الغربي، فهناك قضية Enron كشاهد رئيس، ولكن قيمة وإبداع النظام الغربي في كشف هذه العمليات في وقت غير متأخر، وتصحيح الخطأ لم يتم من قبل الحكومة، إنما تم من قبل النظام، فالنظام أو المنظومة هناك هي من تعالج نفسها بدون تدخل مباشر من قبل الحكومة، وهناك العديد من الأمثلة غيرها تم فيها غش واستغلال الناس في تحديد معنى الإفصاح، فهل هو إفصاح عادل وكافٍ! وما هو الحد الفاصل بين الإفصاح الذي يعطي المعلومة وبنفس الوقت لا يضر بالشركة والوطن؟ وهنا تجد العامة يشتكون من ضعف الإفصاح وبنفس الوقت تجد الخاصة يرونه من منظار آخر، ففي بعض الأحيان تقتضي المصلحة العامة أن لا تفصح وكذلك المصلحة الاقتصادية المستقبلية تقتضي أن لا تفصح، لأن الإفصاح يكون ضرره أكبر من نفعه، ولكن العامة لا يعرفون ذلك وهنا أنا لا أقصد البنوك السعودية ولكن حديثي بشكل عام، ومتى تركت الحرية للقطاع الخاص ليكون لاعبا أساسيا في تحديد ما يؤدي إلى نموه ونمو المجتمع بدأ الغرب يشكك في هذه النظرية، فسابقا كانت هناك مطالب بعدم تدخل الحكومات وأن مؤسسات المجتمع المدني هي من تنظم نفسها، وهذا ما حصل ولكن هذا لا يعني أن النظام كله فاسد ولكن هناك بعض القطع الفاسدة التي من المحتمل أن تسهم في تخريب القطع السليمة وهنا لابد من المتابع لأوراق العمل في مجموعة العشرين أن يجد أن الإفصاح كان من الأوراق المهمة التي تم مباحثاتها في الاجتماعات.
ويرى الدكتور الحميد أن الإفصاح هو وليد المجتمع وليس قانونا كما يعتقده البعض فنحن في مجتمعاتنا العربية تربينا على قضاء حوائجنا بالكتمان وترسخ ذلك فينا فمن الصعب أن نطلب من السلطات تطبيق الإفصاح ونحن لا نؤمن فيه ولا نعترف بها، فعلى سبيل المثال كثيرا ما تسمع عن شخص توفي ويفاجئ أبناؤه بالملايين التي يملكها.
منذ 2002م ونحن نطالب بالإفصاح والشفافية
وحول حجم الإفصاح الذي شاهدناه من قبل بعض البنوك الخليجية فيما يخص قروض بعض المجموعات الاستثمارية المتعثرة ما هو إلا وسيلة من وسائل الضغط على أساس أن هذه البنوك الخليجية ترغب في الدخول بصفقة التسوية التي تمت بالمملكة وحسب ما ذكرت مؤسسة النقد العربي السعودي أن ليس لديها يد في ترتيب الصفقة والصفقة تجارية بحتة وتمت بين البنوك والمجموعة المتعثرة بشكل مباشر عن طريق بيع الرهن، وهذا في المملكة قابل للتنفيذ والرهن تم داخلها وليس خارجها ولذلك لا يشمل البنوك الخارجية، وكانت دول الخليج تهدف بشكل أساسي في الاجتماع الأخير وحسب الإشاعات التي وصلتها أن مؤسسة النقد هي من رتب هذه الصفقة والحقيقة أن الصفقة لم ترتب من قبل مؤسسة النقد ولكن رتبت بين البنوك وبعضها عن طريق بيع الأصول المرهونة لديها، وأضاف الدكتور الحميد أن البنوك التي أقرضت تلك المجموعات بناءً على سمعتها دون وجود أية رهونات أخرى تتحمل مسؤوليتها وهذا خلل في الرقابة الداخلية لديهم وليس خللا في النظام. ومن الواضح في صفقة التسوية التي عقدت أن مؤسسة النقد لم يكن لها دور فيها ولكنها تمت بين البنوك تحت إشراف اللجنة التي شكلتها الدولة.
وعند سؤاله لماذا لم تفصح هذه اللجنة عن التسوية في بدايتها قال الدكتور الحميد دعنا نفند الأهداف من الإفصاح عنها وتوقيته، فلو تم الإفصاح في بدايات عمل اللجنة ربما أدى إلى فشل الصفقة وبالتالي يتضرر الوطن والبنوك، ومن واقع التجارب ففي أثناء النقاش لا ترغب في كشف أوراقك لكي لا تخسر الصفقة. ويرى الدكتور الحميد أن التأخر في الإفصاح عن الصفقة كان تكتيك جيد لكي تكون النقاشات والمفاوضات واضحة.
وعودة إلى الإفصاح.. بالنسبة للمحترفين ينتقدون انتقادا شديدا الإفصاح بعد العملية وهذا ما أدى إلى ذبذبة في سوق الأسهم وأدت إلى تداول بناء على معلومات داخلية والدليل أن هناك من استغل هذه المعلومات في الاستفادة من صعود أسهم البنوك خلال الشهرين السابقين لأنهم كانوا قريبين أو متابعين أو لهم يد في هذه الصفقة وهذا أحدث عدم العدل بين المتداولين وهذه السيئة الوحيدة فيها، ولكن أنا لست مع عملية الإفصاح التي تمت فالمفترض أنه عندما بدأت العملية أعلن عن أن هناك نقاشا حول تسوية هذه الديون ولا تأتي بعد إتمام التسوية وبعد أن طارت الطيور بأرزاقها تأتي لتعلن لي عن التسوية!! وهذا اعتراضي عليها فأية معلومة داخلية لها تأثير مباشر على السعر السوقي وهي متاحة للخاصة يجب أن تعلن للعامة وهذا تعريفي للإفصاح ولذلك أنا عندي فلسفة بالإفصاح، فالإفصاح العادل هو إفصاح تكون فيه الجهة الرقابية عادلة بين الناس في تدفق المعلومات ولا يعني إخراج جميع المعلومات للعامة وليس إفصاحا كاملاً كما يعتقد الناس فأنا لا أسأل لماذا لم يفصح عن المعلومة ولكن اسأل هل الإفصاح عن المعلومة كان عادلا بين الناس أو لا، فهذا هو المهم فأنا لا يهمني أنه أعلن عن الصفقة أو لم يعلن ولكن ما يهمني أن يعلم بعض الناس عن صفقة لا يعلم عنها الباقين وهذا الإفصاح غير العادل.
وحسب حركة سوق الأسهم فعملية الإفصاح عن هذه التسوية لم تكن عادلة، وعن إشراك البنوك الخليجية في التسوية ومطالبتها بذلك فيرى الدكتور الحميد أن العلاقة بين مدين ودائن بين مقرض ومقترض تتم التسوية بينهما دون تدخل الدولة، فالرقابة كان يفترض أن تتدخل في البداية عندما تمت الموافقة على تلك القروض أما الآن بعد ذبح الناقة لا يحق لهم المطالبة بلحمها، فكان على البنوك المركزية في الدول التي تطالب أن تضع أسسا رقابية لتحديد المخاطر من البداية فالخلل لدى تلك البنوك المركزية في عدم وجود أسس رقابية وتفتيش بنكي صارم وهذا هو المهم في سبيل أن لا تحدث العملية من حيث المبدأ وعندما حدثت في السعودية كان هناك علم لدى مؤسسة النقد بتلك العمليات وكانت تلك القروض التي أخذت من البنوك السعودية نسبة المخاطرة فيها لم تكن عالية جدا نتيجة لربطها بالرهونات، إذا النظام الرقابي والتفتيشي الحكومي قام بدوره قبل تلك القروض وليس بعدها وهذا ما يسجل للنظام الرقابي في المملكة.والمفترض أن التفتيش البنكي اكتشف العملية قبل انكشاف تلك المجموعات وطالب البنوك بإيقافها من البداية إلا بوجود ما يعادل تلك القروض من ضمانات، فمؤسسة النقد كانت تعرف قضية تلك المجموعات ولكنها كانت مطمئنة نوعا ما لأن الإجراء الذي تمّ نسبة المخاطرة فيه كانت محدودة وهذا الفرق، لذلك لا تلقي البنوك المركزية الخليجية مشكلتها على البنوك الخاصة أو على البنوك المركزية الأخرى فالخطأ جاء من التفتيش البنكي بذاته والخطأ جاء من عدم تحديد الخطر منذ البداية وأنا هنا لا أمتدح مؤسسة النقد ولكنه الواقع.