ليس جديداً القول إن هناك ثلاث دول هي الأكثر نفوذاً وتأثيراً في إقيلم الخليج العربي الذي أصبح مهماً جداً من النواحي السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، حيث يزود العالم بقرابة ثلث ما يحتاجه من الطاقة، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي كممر حيوي ورابط جغرافي يوصل آسيا بأوروبا وإفريقيا.
هذه الخواص والمميزات الاستراتيجية للإقليم ليست وليدة اليوم، إذ كان الإقليم مطمعاً للقوى الدولية الكبرى منذ أقدم العصور، وكانت أولى حملات الروم خارج نطاق نفوذهم التوجه إلى الخليج لمواجهة الإمبراطورية الساسنية آنذاك، حيث كانت القوى الدولية تسعى كل واحدة للانفراد بالهيمنة على إقليم الخليج.
وفي العصر الحديث برزت ثلاث دول إقليمية كبرى إيران، والمملكة العربية السعودية، والعراق. ووظف الغرب إيران في عهد الشاه حارساً لحماية مصالحهم التي حصلوا عليها أثناء حقبة الاستعمار ومقابل وظيفة (شرطي الخليج) حصل شاه إيران على مكافآت منها تمكينه من الاستيلاء على إمارة الأحواز وضمها لدولة إيران حيث أصبحت الأحواز العربية محافظة إيرانية مركزها عبادان وتمد إيران بملايين براميل النفط يومياً.
وعندما استولى الخميني على السلطة في إيران انتهج نفس أسلوب إسماعيل الصفوي فجعل همه الأول تحقيق مطمح الساسانيين بإعادة تكوين الإمبراطورية الفارسية الجديدة تحت غطاء طائفي فعمل من خلال أنصاره على نشر التشيع في الأقطار المجاورة أولاً، ثم التوسع إلى الأقطار العربية الأخرى عبر مفهوم ما كان يطلق عليه تصدير الثورة الخمينية. وكانت العراق أولى الأهداف التي اتجهت لها العناصر الخمينية باعتبار أن عاصمة الإمبراطورية الساسانية (المدائن) التي لا تبعد عن بغداد سوى 35 كيلومتراً وفيها بقايا خرائب طاق كسرى أو عرش كسرى، وأنه يجب أن تكون منطلق إعادة إمبراطورية الفرس إذ كان الخميني وأتباعه ولا زالوا يطمعون بأن يعيدوا المدائن والعراق للنفوذ الفارسي وإعادة امبراطوريتهم التي تشمل كل إقليم الخليج وكل فارس وأجزاء من تركيا وبضع من جمهوريات آسيا الوسطى، وهذا ما نشرته مراكز أبحاث أوروبية وعربية وقد تصدى لمخطط الخميني بتصدير الثورة، العراق في عهد حكم الرئيس الراحل صدام حسين لأن العراق كان الهدف الأول، وأمكن إحباط ذلك المخطط إلا أن شهوة التوسع والطمع انتقلت إلى الدولة الأخرى التي تصارع على النفوذ في الخليج العربي فارتكب صدام حسين جريمة غزو واحتلال الكويت ليعطي المبرر لتدمير العراق وقوته العسكرية التي كانت حاجزاً للتسلل الفارسي وتعطي جريمة صدام مبرراً للغرب للعودة للتعاون مع من ورثوا (شرطي الخليج) شاه إيران فمن خلال الأحزاب التي تربت في حضن الخميني، ظهر تحالف غريب بين أمريكا وبريطانيا ومن ربتهم إيران الخميني للإطاحة بنظام صدام حسين، حيث أمكن للأحزاب التي أسست وأنشئت وتربت في أحضان نظام الخميني، ليعود النفوذ الإيراني وبقوة للعراق تحت غطاء الاحتلال الأمريكي، ورغم التناقض بين الأهداف الأمريكية والإيرانية، لأن كلاً منهم له أطماعه الخاصة، إلا أن كلاً من أتباع كل محتل يتحين الفرصة للاستفراد وإزاحة الآخر، المهم استطاعت إيران إزاحة دولة تنازعها النفوذ مما جعلها تنشط العمل لمزاحمة، بل وحتى إزاحة الدولة الثالثة وهي المملكة العربية السعودية.. وهو ما سنتكلم عنه غداً.
****
jaser@al-jazirah.com.sa