Al Jazirah NewsPaper Monday  05/10/2009 G Issue 13521
الأثنين 16 شوال 1430   العدد  13521
حال الإنسان العربي؟
رمضان جريدي العنزي

 

للإنسان العربي وجه حزين ومقطب، وروغان ذهن، وصخب روح، وله ميتات غامضة ومتلاحقة، وله ارتعاشات بدنية ونفسية مضطربة، وخريف أصفر، وشوارع مرعبة، وحلم باهت، وغصن مقطوع، وصباحات دم، وليل خوف، وضوء قمر باهت، وخيوط نور منكسرة، وشمس حارقة، وجنائز محمولة على الأكتاف، وصراخ وعويل، ودوي انفجارات.. الإنسان العربي لا هو واسع مثل قارة، ولا هو عميق مثل محيط، ولا هو طويل مثل نهر، فهو يعيش حالات وأزمات متنوعة ومتفرقة وذات ألوان سوداء داكنة، فمن حالات الاقتتال الأخوي والانقلابات والتخوين والانتهازية والتهميش ومحاولة التفرد والتسلُّط إلى أزمات المرض والجوع والأمية وصولاً إلى خوف الرصاص والمتفجرات والحركات الإرهابية البغيضة الخارجة من أتون دهاليز الظلام والمؤامرات التي تحيكها محاولة تعطيل الحياة بتحويل أجساد الأبرياء إلى أشلاء بالمفخخات والعبوات والأحزمة الناسفة والأصوات الجهنمية النشاز وعذاب الأيديولوجيات والأفكار العتيقة الواهنة، وتخمة الخرافة، وصفير الرياح العاتية، وهبوب الأتربة، وهو في كل هذا يقف حائرا هيمانا مندهشا لا يدري مصيره الذي أصبح مصيرا هشا طريا يشبه بالدقة مصير نسيج عنكبوت واهن. إن الإنسان العربي منكسر الآن تحت سماء الواقع، ولديه أفكار مكهربة وضيقة نتيجة الهزائم والانكسارات والولادات العسيرة والأوجاع العتيقة. والإنسان العربي أصبح مرهونا بالشعارات ومسكونا بهذيان روحي خارج عن نطاق العقل والمنطق والتفكير. والإنسان العربي يملك الآن إشكاليات كبيرة مع الحياة ومحنة بائنة مع الكون؛ فهو يعيش في منطقة ضبابية غبشة، وله تشتت ومراوغة وحذر وتوجس وخيفة، ويرى الأشياء من منظور ضيق وتضاد ليس له جمال رؤية ولا بعد فلسفي. إن الإنسان العربي أصبح لا يميز بين رائحة الورد وبين رائحة البارود، ولا يعرف الحد الفاصل بين الحياة والموت، وليس له أبعاد تمعن تسبر أغوار بواطن المسافات لكي تمتد باتجاهات الأفق البعيد. والإنسان العربي لا يملك النصوص التوضيحية لحجم الانكسارات المتراكمة في ثنايا حياته الممتدة باطراد العوامل النمطية التي أسهمت في تكوين معادلة ضنكة وتآكله ودائرته الضيقة التي تجعله بمواجهة دائمة مع الصقيع والوجع والفجيعة وسط لهاث صادم ونبرة تزدري خطواته بدهشة. إن الإنسان العربي يعيش وضعا بائسا وصرخات ألم ولوحات قتل وفناء ورعب وعنف وظلم ورصاص ودم مسفوح وأشباح وبقايا زجاج ومطر ثقيل وهدير بنادق واضطراب وقلق وقصائد عارية ليس لها تزويق ولا تنميق ولا دهشة. الإنسان العربي له غيوم سوداء وحقول مشتعلة وعوم في تيارات عنيفة وترسبات كوارث. إن الإنسان العربي يحمل في حياته قصصا كبيرة لها رموز تبحث عن حلول للعقد التي تنتابه، هذه القصص لها لغة ذات انسياقات مختلفة وذائقة تقترب من مخزون هائل له تراكمات حزينة متواترة. إن الإنسان العربي ومنذ أمد طويل يعبر طرقا موحشة ومفزعة وعسيرة وضيقة وصحاري من رمال وسموم، قلق هذا الإنسان العربي من وحشة المسافة وقلة الزاد وغموض المصير. إن الإنسان العربي في حياته دائما يحمل همّ العشق وهمّ الظمأ وهمّ الاغتراب وهمّ الفناء وهمّ زغب الحواصل الجدد، ولد وفي أذنه ألف حكاية وألف قضية وألف شعار سحري وألف متاهة وألف طريقة للصراع مع الأشباح وألف مأساة وألف موت بطيء بين ركام الجهل والتجاهل وعدم المبالاة حتى أصبح مثل الشاة المذبوحة التي لا يؤلمها السلخ. إن الإنسان العربي يعيش الآن حالة مرضية قد تتحول إلى وباء إذا لم نتداركه بالشفاء، وهو مثل عسل مخلوط بملح، له حياة بلا أدنى تمنٍ، حياة فيها ثلوث وصاعقة وخيوط صراخ وضحكة حبلى بالازدراءات، له بحة وسأم وخضرة مائلة للسواد. إن الإنسان العربي يبحث عن منفذ، عن ضوء، عن قبس، عن قمر، عن إيحاءات، عن رموز ينسف بها كل جدران الأحزان الكبيرة الصلدة والعتيقة التي تحيط نفسه المثقلة بالأحمال التي تشبه جدران الكونكريت المشيد، فهل نجد في المساءات التالية وقد ذهب الإنسان العربي إلى سباته الاعتيادي ليحلم بعالم عربي حالم جميل ذي فوتوغرافية ساحرة رومانسية خلابة جذابة بلا أدنى كوابيس ولا عقرب ولا سرطان ولا ظلام مخيف؟؟!!..



ramadan.alanazi@aliaf.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد