لا أبالغ إن قلت: إن حلقة (طاش ما طاش)، والتي حملت عنوان: (لا تجسسوا)، كانت نكسة فنية لكافة طاقم العمل. فقد بالغت تلك الحلقة في عرض الصورة السلبية عن المرأة السعودية المتدينة، كما بالغت في إشاعة صورة ذهنية عامة عن الداعيات بتزييف الواقع..
.. وتقديم صورة مغلوطة عنهن، وتشويه صورتهن إعلامياً، وذلك من خلال تصوير الحلقة لتلك الداعية بطلبها التجسس على الأزواج، لكي لا يقعوا ضحايا للغزل، أو ينجروا نحو علاقة آثمة محرمة مع امرأة أخرى. والعجيب أن تلك الداعية التي تمارس هذا الدور، تكون في نهاية المطاف إحدى ضحايا الغزل بكل سهولة، ومن أول مكالمة. فهي، أي - الداعية - من تلبس لباس الكذب، وتعمل في الخفاء عكس ما تقوله في العلن.
إن ممارسة جلد الذات بشكل جنوني، واجترار الأفكار والمآلات السوداوية، عن طريق هدم فضاء المقدس، تكاد تصيب مقوماتنا، وتتعمق في كشف مساوئنا. وأخشى ما أخشاه أن يكون جلد الذات - هذا - ناتجاً عن ردة فعل على أساس الموقف، والوضع النفسي لتضليل الوعي عن إدراك الحقائق، والبعد عن الموضوعية، وعدم الواقعية في نقل الصورة الحقيقة، والمطالبة بكل شيء، والنتيجة أننا لم نحصل على شيء. كل ذلك ونحن مستغرقون في جلد الذات، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
هناك فرق بين جلد الذات ونقد الذات، فالأول: شعور سلبي يتنامى في أوقات الفشل، من أجل إشاعة الرؤى غير الصحيحة. والآخر: شعور إيجابي يبحث عن مواطن القوة والضعف بصدق وموضوعية، من أجل الوصول إلى الخلل، وتصحيح ما اعوج، والاندماج مع المعطيات الحاضرة إذا كانت في دائرة الشرع.
وما لم يبصر الإخوة في طاقم المسلسل بمرآة الحقيقة، لا بمرايا الزجاج، فإننا سنستمر في وصف المجتمع بسلسلة من صور الخيال عند تناول الأحداث، ورسمها كذباً وزوراً وبهتاناً. فواقعنا فيه الكثير من الخير، وهو أفضل من غيرنا، ومن الممكن عرض النقد البناء، والترحيب والمطالبة به، بدل أساليب التهييج والاستعداء، لو أنه عبر عنه بموضوعية، فالكمال لله وحده، والبشر يخطئون أفراداً وجماعات. ومع هذا نصرّ عمداً فنهمل محاولات صادقة وناجحة على مستوى الأفراد، أو المؤسسات الحكومية، وتضعنا في أقل المستويات. وللأسف أن ذلك يكون على مرأى ومسمع ممن حولنا من المجتمعات الأخرى، الذين يتأثرون بتلك المشاهد السلبية في نظرتهم لنا، وفي المقابل لا نجدهم يمارسون ذات الجلد، لأنهم وإن اختلفوا فيما بينهم، فإن لغة الاختلاف تبقى خالية من كل أساليب جلد الذات.
وبعيداً عن أفكار مسلسل (طاش ما طاش) الذي كثر اللغط حوله هذا العام، فإن النهوض بدور المرأة الداعية مطلب شرعي وضرورة اجتماعية، فهي دعامة أساسية في المجتمع، وهي التي تتحلى بالعفة والمروءة والإنسانية والأخلاق الفاضلة، لتلفت انتباه فتياتنا، فتفقههن في الدين، وتحثهن على الالتزام به، ففي وجودهن مصلحة للأمة. ولذا فإن التشكيك في مصداقية الداعيات، وإقحامهن في موضوع العلاقات المحرمة يضع أكثر من علامة استفهام.
سؤالي الأخير: هل مجتمعنا السعودي بهذا الكم الهائل من السوء حتى نكرس تلك النظرة الخاطئة عنه؟. وسؤالي لما بعد الأخير: هل يعني جلد الذات بهذه الطريقة أن ذمتنا قد برأت وحالنا قد كمل؟
drsasq@gmail.com