(1)
فلنساعد الشاب كي يساعد نفسه!
* قال صاحبي وهو يحاورني: لقد أنفقتَ من عمرك ثمانية عشر عاماً أميناً عاماً لمجلس الخدمة المدنية، ماذا فعلتَ لخدمةِ مستقبل الشاب، وتخليصه من غول البطالة، فقلتُ:
* ماذا عسى تجربة ثمانية عشر عاماً لإنسان متواضعِ القدرِ والقدرات مثلي في خدمة (الخدمة المدنية) أن تفعلَ لفك (أحاجي) البطالة التي يسهر الخلق جراها ويختصمون!! الأمرُ كله خلاصةُ (ثقافة) تبدأُ وتنتهي (بموروث) تراكمي يفترضُ أن الوظيفةَ العامة هي الخيارُ الأولُ والثاني والأخير، إنْ لم يكن (الأوحد) للشاب الجامعي وحامل الابتدائية سواء، وما عدا ذلك فأمرٌ استثنائي، وحتى لو تعثر خيارُ الوظيفة العامة، وتيسر الثاني في أحد دهاليز القطاع الخاص، تظلُّ (الوظيفة الحكومية) رغم ذلك كله، حلماً لا يعادله حلمٌ، حتى وإن شحت عوائده ومزاياه!.
**
* دعوني أصرح بتجردٍ وصدقٍ فأقولُ إنّ علينا جميعاً، مسؤولين ومثقفين، أن نساعدَ الجيلَ الشابَ على الخلاص من ثقافة (التزهيد) في وظيفة القطاع الخاص والتنفيرِ منها، و(ترجيح) خيار (الوظيفة العامة) وما ترمز إليه ادعاء بيسر لا عسر فيه، وارتخاء لا جد فيه.. ولا سؤال ولا عتاب أو عقاب! أنا مع الشاب في البحث عن (مناخ) ملائم لناقة حلمه وتحصيله، لكن عليه بالمقابل أن يتحمل قدرا من (شقاء التجربة) في قطاع يستنفر قدراته ومواهبه أملا في بلوغ حد مرض مما يلائمه قدرة وطموحاً!
**
* من جهة أخرى، أرى أن من الخطأ والخطيئة معاً ربط حصاد (التحصيل المهني والأكاديمي) للشاب بنفق معتم بسبب غياب (ضوء الوظيفة الحكومية) في آخره وتزهيده في الخيارات الأخرى المتاحة له، وأرى أنه يتساوى مع (كابوس) البطالة خطراً بدعةُ الإصرار على الفوز بوظيفة حكومية!
**
* أقول (لمروّجي) الشؤم حول مستقبل الشاب: دعوه يحلم ويعمل معاً على بصيرة لتحقيق حلمه، فيتعلم علما صالحا تحت قبة الجامعة أو خارجها يستثمر من خلاله رغباته ومواهبه وأحلامه، ومستقبل هذه البلاد يعد بالكثير والكثير مما يسر ولا يضر بإذن الله!
**
(2)
معهد الإدارة.. حلم تحقق!
* معهد الإدارة محطة هامة في مشوار حياتي شهدت فيه ولادة حلمي القديم إداريا، وشهد هو انطلاقتي في مسارات مضيئة جمعت بين (طوبائية) الأكاديميا وفاعلية التطبيق العملي لكثير مما أفرزته دراستي الجامعية في أمريكا، كنتُ في المعهد أتعامل مع الكتاب والكتابة الإدارية والمحاضرة، وفي الوقت نفسه، عشت تجربة الإدارة عملياً.
* أما أجمل ما في تلك المحطة فيتمثل في التجاذب الودي المباشر بين زملاء العمل في شراكة حميمة عبر سلم هرمي يسير يرى من في أعلاه العاملين في قاعدته من خلال منظومة شفافة من التلاحم اليومي المباشر وشبه المباشر، لم أشعر يوما بأن هناك فجوة من طقوس السلطة أو نواميسها تحول بيني وبين من بيده القرار!.
**
* والأهم من كل ذلك أن المعهد منحني فرصة ثرة للتعلم ميدانياً عن الإدارة في بلادي عبر المتدربين الذين كانوا يفدون إليه من كل الأطياف والأعمار، ومنحني كذلك فرصة التعامل مع الكتاب: بحثا واستقراء وتطبيقا.
**
* أجل.. إذا كانت قرية (مشيّع) في أقصى الجنوب الغربي من هذا الوطن الغالي قد (عجنتني) صغيرا في وعاء التجربة القاسية، فإن معهد الإدارة قد (شكلني) كبيرا بـ(ريشة) الخبرة العلمية والعملية متعددة الأغراض والاتجاهات، لأكوّن لنفسي من ذلك رصيداً من مكاسب العقل والنفس.. والخيال أيضاً!.