Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/10/2009 G Issue 13517
الخميس 12 شوال 1430   العدد  13517
هذرلوجيا
المرأة الزرقاء
سليمان الفليح

 

كان ذلك في نوارة العمر.. وأنا أنصب خيمتي الناصعة البياض على شفا جبال (المطلاع) حيث ينحسر البحر متقهقراً إلى أعماق الخليج. وألمح في الأفق ميناء (الشويخ) الذي بدا لي نائياً وبعيداً من خلال سراب الأمواج وصياح النوارس المضطربة التي ترصد السحاب وتبشر بالمطر وكانت صواري السفائن تطعن السماء وهي تقلع للمرافئ البعيدة.

***

تلفت للخلف فاكتحلت العينان (بالروضتين) حيث حقول الزهر البري تتشابك بتناسق وحشي عجيب في هذه الصحراء الصغيرة المكتظة بورد الله في بلاده الشاسعة.

***

أجهشت السماء النبيلة بالرعد ولاذت صغار الطير بشجيرات الحمض وأخذت تزقزق بشكل كثيف (متداخل وفظيع) وكأنك تستمع إلى إحدى سمفونيات الموسيقار الياباني العظيم (كيتارو) التي تتحدث عن الصحراء، وكان هسيس الريح بأشجار البّر المبتّلة يمنح الروح رذاذاً ناعماً مضمخاً بالعطر ويبث في أرجاء القلب معزوفة البهجة الأزلية.

وكان الموقد المشتعل بأعواد (الشيح) و(النفل) الجاف تتراقص فيه ألسنة اللهب الهادئ الخفيت، بينما كان ينبعث من بعيد أنين ربابة صادحة يتوزع في شعفات التلال وتنحدر كالماء الرقراق من تعرجات الأودية والشعاب وكانت الدلة الذهبية تتكئ على جانب الموقد كحسناء تنتصب بقوامها الأخاذ وأنا أرتشف منها القهوة الصفراء التي لا تشبه إلا (خضاب الخونداه) وكان كل ما حولي يتحدث بدقة هائلة عن تفاصيل الصحراء، وبالطبع كانت السماء تمطر وكان القوس القزحي الملون يصل السماء بالأرض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وتبهرني ألوانه الأخاذة الرائعة.

***

آنذاك اشتملت ب(فروتي) الوبرية العابقة بالمسك ولكنني قبل أن أطفق بالحلم أحسست أن ثمة امرأة مجنحة من البحر تأتي وك(هبة) ريح باردة تمرق بيني وبين الفروة وتقول لي أنا عروس البحر أيها الوحيد المتعب من العزُلات، فرحت بها، حاولت أن ألمسها فتسللت من أكمام الفروة وتسربت ل(الدخون) وكم كان حزني ذريعاً حينما رأيتها تطير كغمامة زرقاء باتجاه البحر. حاولت أن ألقي بنفسي من (الجال) لكي أتبع هذه المخلوقة الرشيقة، وقلت: ربما يجئ بها ثانية الزمان.

***

بعد عشرين عاماً بالتمام والكمال كنت أنشد أهزوجة على ساحل البحر وكان يصفق لي جمهور من الأمواج وفجأة ظهرت لي من البحر سيدة أنيقة زرقاء. وقالت أتذكر تلك التي انسلت من بين أصابعك في ذلك الزمان؟ آنذاك ضحكت وبكيت وقالت لي أنا حورية البحر، وغزالة الصحراء ولن أعود إليك ثالثة في العمر.

حاولت أمسك بها ولكنها تلاشت فجأة في الفضاء فأجهشت بالبكاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد