الجزيرة - عبد العزيز العنقري:
أوضح الدكتور خالد العقيل المستشار السابق في وزارة البترول السعودية ل(الجزيرة) أن الإلغاء التدريجي لدعم النفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى (كالفحم) يهدف بالدرجة الأولى إلى معالجة اختلال الميزان التجاري للولايات المتحدة مع الصين والهند وألمانيا التي تدعم صناعة الفحم.
جاء ذلك في رده على اتفاق زعماء مجموعة العشرين في قمتهم الثالثة التي انعقدت في مدينة بيتسبيرج الأمريكية نهاية الأسبوع المنصرم على الإلغاء التدريجي لدعم النفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى مثل الفحم وغيره. بهدف المساهمة في معالجة التغير المناخي والاحترار العالمي.
وأضاف العقيل: (إن الأزمة المالية في الولايات المتحدة وتبعاتها الاقتصادية خلقت مجموعة العشرين لتتولى إرساء نظام اقتصادي عالمي جديد. ويجب التأكيد على نقطة جوهرية أن اجتماعات مجموعة العشرين تتمحور حول مسالة أساسية, وهي كيفية معالجة العجز في الميزان التجاري الأمريكي الذي بدأت محاولة معالجته منذ خفض صرف سعر الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى في 2001), ولذلك تعمل الولايات المتحدة على اتخاذ كافة السياسات الخارجية والداخلية لإصلاح العجز في ميزانها التجاري خاصة أمام الصين والهند وألمانيا ومن إحدى الأدوات مطالبتها مؤخرا رفع الدعم عن استهلاك الطاقة الأحفورية (الفحم والبترول والغاز) تحت غطاء البيئة النظيفة، خاصة الفحم الأكثر تلويثا للبيئة والمستخدم بكثافة في توليد الكهرباء في الصين والهند وألمانيا, وبالتالي في حالة رفع الدعم عن الفحم المستخدم في تلك الدول، فسيترتب عن ذلك ارتفاع التكلفة الإنتاجية للسلع في هذه الدول ما يساعد في الإقبال على السلع الأمريكية وتعديل الميزان التجاري لصالحها.
وعن انعكاس هذا القرار على الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة واثر ذلك على الطلب العالمي للبترول والغاز مستقبلا قال العقيل: (لا أعتقد أن ذلك سيحد من الطلب المتنامي على البترول والغاز لأن هذا الاتفاق يفترض أن يمس صناعة الفحم أولا لأنها أكثر مصادر الطاقة تلويثا للبيئة)، مضيفا أن البترول لا يمكن الاستغناء عنه مهما تعددت مصادر الطاقة البديلة لأنه عامل أساسي في كافة الصناعات والاستخدامات الإنسانية.
وبين العقيل أن الاجتماع الأخير لقمة العشرين أغفل نقطة هامة وأساسية تتعلق بمطالبة الدول المتقدمة في توفير التقنية النظيفة بأسعار معتدلة حتى تتمكن دول العالم من معالجة مشاكلها البيئية وتحسين منشأتها للمساهمة في إيجاد بيئة نظيفة، فالحل يكمن في نقل التقنية النظيفة وتحسينها وليس في التركيز فقط على تخفيض الاستهلاك العالمي من الطاقة.
ومن جانبه، يرى الخبير النفطي حجاج بوخضور أن هذا القرار جاء نتيجة اهتمام مجموعة العشرين بإيجاد بيئة نظيفة، مشيراً إلى أن هذا سيساهم في التركيز على جهود الدعم للعمل على الاستثمارات المتعلقة بمصادر الطاقة النظيفة (كالرياح والأمواج والطاقة الشمسية)، وأضاف: (إن إيجاد بدائل للنفط يعتبر مطلبا مشروعا لأن الوقود الأحفوري يتجه للنضوب كما أنه يتسبب بمزيد من التلوث البيئي, وهذه مسألة هامة جدا).
وعن مدى تأثير هذه التوصية على السعر المستقبلي للبترول، قال بوخضور: (من المؤكد أن هذه التوصية ستدعم استقرار أسعار البترول وتوجهها للنمو المعتدل والايجابي، أي سوف تبعد أسعار البترول عن التذبذب الحاد صعودا وهبوطا, ما يفيد في إقامة المشاريع التنموية بالشكل الأمثل والسليم).
وعن أثر هذا القرار على مستقبل صناعة النفط ومدى دعمه للتوجه للاستثمار في صناعات الطاقة البديلة؟ أجاب بوخضور: دعني أقول وبكل ثقة أن النفط فوق قدرة السياسات النقدية والاحتكارية أن تحتويه أو تسيطر عليه وبالتالي هذا القرار يدعم حقيقة استخدام الوقود الأحفوري بالشكل الأمثل والموضوعي ولا يحد من استخداماته فهذا القرار تدريجي لا فوري أي سيقنن الاستثمارات بشكل يتناسب مع تحقيق الأهداف التي ذكرتها كالمحافظة على البيئة وخلق استقرار في الأسواق والعمل على ديمومة الوقود الأحفوري وإطالة عمره الافتراضي لأقصى حد لأنها سلعة حيوية ناضبة وبالتالي يجب التقنين باستخدامها.
فهذه القرار حكيم لأنه يستوعب مثل هذه التحديات ولكنه لن يحد من الاستثمارات، بل لعله يوجه الاستثمارات بشكل أكثر موضوعية في صناعات الوقود الأحفوري.
وحول الفائدة التي ستحققها الدول الغربية المستوردة للبترول من هذا القرار، قال بوخضور إن هذه الدول هدفها الحفاظ على البيئة إضافة لديمومة استمرار هذه السلعة الحيوية واستخدامها بالشكل الأمثل لأن أغلب الصناعات تقوم على البترول كمادة أولية، وهذا سيعطي استقرارا للاقتصاد العالمي ويساعد في إبعاده عن الصدمات والأزمات.
يذكر أن قمة مجموعة العشرين الثالثة التي عقدت في بيتسبيرج في الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي قد خرجت بجملة توصيات كان من أهمها الإبقاء على خطط التحفيز والاتفاق على إصلاح المنظمات المالية الدولية خاصة صندوق النقد الدولي، ووضع آلية للتعاون الدولي في وضع السياسات المالية، والاتفاق على سحب الإعانات المالية للوقود الأحفوري تدريجيا، والتي يصل حجمها إلى 300 مليار دولار ودعم مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة مع تأكيد زعماء دول مجموعة العشرين أنهم سيعززون جهودهم للوصول إلى اتفاق للأمم المتحدة بشان تغير المناخ في وقت لاحق من هذا العام وتكليف وزراء مالية دول العشرين بالتوصل إلى مجموعة من الخيارات لتمويل مشروعات المناخ في اجتماعهم القادم والذي سيعقد في نوفمبر القادم.