Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/10/2009 G Issue 13517
الخميس 12 شوال 1430   العدد  13517
شهوةُ التِّين!
شِعر - الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي

 

أبكِيْ على مَنْ يُعزِّينيْ

وسَيْفُهُ بِيْ يُمَنِّيْنِي

صُنْ ماءَ جفنَيكَ، واسكُبنيْ

قصيدةً، فيكَ تجفوني

فلا البكاءُ شَفَى أمسيْ

ولا المُنَى سوفَ تَشفيني

***

ضاع المَدَى، تاهَ بيْ خَطْوِيْ،

واستَعْجَمَتْ بِيْ عناويْنِي

أَمشِي كأنِّي على وَجْهِي

أَمشِي لِمَا ليس يَعنيني

سِوَى انتمائيْ معيْ وافَى

غَيْرُ انتفائيْ يُوافيني

صَحْوُ النجومِ إذا تَزْهُو

يَزْهُوْ ويَزْوَرُّ عن عَيْني

أَلُمُّ دُرَّاقَها حُضنًا

يَلُوْبُ حَوْلِيْ ويَعْدُوْني

أرَى الأنامَ هنا تَمْضِيْ

ولا أرانيْ أنا.. أَيْني؟

نُضْجُ الشِّفاهِ عناقيد

نادتْ، فلِمْ لا تُناديني؟

***

صاحَ الصباحُ بأطرافيْ

قُمْ يا طريحَ الدُّجَى الكَوْني!

انهضْ بحُلْمٍ على حِمْلٍ،

ماضٍ، وآتٍ، وذا الحِيْنِ

حَدَّقْتُ في صَوْتِهِ أَجْلُوْ

رُؤيا ابنِ يعقوبَ تَجْلُوني

فَشِمْتُ بَرْقاً على بَرْقٍ

في مُهْجَةٍ لا تُوارِيْني

رأيتُ فيها كآثاريْ

جَمْرَ النَّدَى في الرَّيَاحِيْنِ

شَمَمْتُ تُربيْ وأترابيْ

مِنْ فِتْيَةٍ كالسَّراحِيْنِ

.. انهضْ فِداكَ الأُلَى نامُوا

وثأرُهُمْ أَلْفُ مليونِ!

تَنُوْشُهُمْ أَكْلُبٌ عُقْرٌ

وهُمْ عِدًى كالسَّعادينِ!

افتحْ شَبابيكَ في شمسٍ

تُطِلُّ منها على نُوْنِي!

واكتبْ أساطيرَ لا تُمْحَى

عن قِصَّةٍ فيكَ تَطويني!

***

- عفوًا، ففي داخليْ صَوْتٌ

يَسْتَلُّ صَمْتيْ ويَحويني

بكاءُ ضِحْكٍ يُناجينيْ:

هل يُنْبِتُ الدَّمعُ زيتوني؟!

هل يَحْرُثُ الحَقْلَ إنشاديْ؟!

أو يَحْصُدُ القَمْحَ تلحيني؟!

***

- أوّاهُ، يا طَعْنَةَ المَعْنَى،

أَوْجَعْتِ (جِيْميْ)، فها (سِيني):

هل تُعشبُ الأرضُ لا ماء

ثَمَّ، وما ثَمَّ مِن طِيْنِ؟!

ماءُ العيونِ سحاباتيْ

والرُّوحُ أرضيْ وجَيْحُوني

يا ربّما أَنْبَتَتْ عَينيْ

رُؤَى النَّدَى في البساتينِ

مِنْ كَفِّ عقليْ ومِنْ قلبيْ

أَجْنِيْ غداً شَهوةَ التِّيْنِ

فَرُحْتُ والرَّاحُ في رُوحيْ

يَجري الشَّذَى في شراييني!

***

- صباحيَ الطفلَ، يا ذاتيْ،

بُشراكَ بيْ! عُدْتُ مِنْ دُوني!

في رحلتيْ، مَن أنا؟ ما اسميْ؟

فلا اسمَ لِيْ فِيَّ يَعروني!

مِن سِدرةِ المُنْتَهَى بدئيْ

قصيدتيْ فلتَكُونِيْني!

كُونيْ، أَكُنْ آخَراً غيريْ

أسقيهِ حرفيْ ويسقيني!

ينمو النخيلُ على صوتيْ

يَرتفُّ طَيريْ الفلسطيني!

أرويْ الفُراتَ لَمَى حِبريْ

فتَنْتَشيْ صفحةُ السِّينِ!

أرميْ شِباكَ الهَوَى العُذريْ

ولاّدتيْ لابنِ زَيدوني!

أبنيْ المعانيْ نهاراتٍ

وأهدمُ العِيَّ يَبْنِيْني

تَجْرِيْ الحضاراتُ في كَفِّيْ

جَرْيَ النَّدَى في الأفانينِ

أمشيْ وشبَّابتيْ تَشدو

كي يركضَ اللحنُ سمفوني

سفينتيْ أبحرتْ، مَن ليْ

بشَهوةِ العِلْمِ للصِّيْنِ؟

لا أكذبُ اللهَ في باليْ

خرائطيْ كالعَراجينِ

لا تَرتقيْ الآيةَ العُليا

أو تَتَّقِيْ شُبهةَ الدُّوني

وفِيَّ مِن سندباداتيْ

إيمانُ شَكِّيْ وتخميني

والحُبُّ، يا فتنتيْ، شَطٌّ

يَضُمُّنيْ فيكِ يَغْذُوني

غَنَّيْتُ مِنْ نَظْمِ نَبضاتيْ،

والقلبُ عُوْديْ، فَغَنِّيني:

يا أمَّتيْ، لا تُمَنِّينيْ،

تَهَجَّئِيْ فيكِ تكويني!

(*) هذه القصيدة جاءت على وزن (الهجيني القصير) المشهور في الشِّعر العاميّ في الجزيرة العربيّة. وهو يوافق مجزوء البسيط، إلاّ أن الحَذَذ- وهو: حذف الوتد المجموع من آخر التفعيلة- يدخل عروضه وضربه، فيصبح وزنه على: (مستفعلن- فاعلن- مستفْ/ مستفعلن- فاعلن- مستفْ). ولم أقف على وزن قصيدتي هذه في شعرٍ فصيح قط، كما لم يَرِد في حالات البسيط لدى العروضيّين. ذلك أن مجزوء البسيط لا يأتي في الشِّعر العربي- حسب العروضيّين- إلاّ على ثلاث أعاريض وخمسة أضرب، هي:

1- عروض مجزوءة صحيحة (مستفعلن)، ولها ثلاثة أضرب:

أ- ضرب مثلها (مستفعلن).

ب- ضرب مقطوع (مستفعلْ).

ج- ضرب مذيل (مستفعلانْ).

2- عروض مجزوءة مقطوعة (مستفعلْ)، ولها ضرب مثلها (مستفعلْ).

3- عروض مجزوءة مقطوعة مخبونة (متفعلْ)، ولها ضرب مثلها (متفعلْ).

وتسمَّى هذه الحالة الأخيرة: (مخلّع البسيط).

ووجدتُ كذلك قطعة كنتُ كتبتها منذ سنوات، على (مجزوء البسيط المحذوذ)، أو ما يسمّى (الهجيني القصير)، هي:

إنْ يَرَني لا أهواهُ

مُحتمِلاً ما ألقاهُ

أو بدمي لا أرويهِ

يسبحُ في شفتيْ ماهُ

فليتناءى أو يَنْسَى

فِيَّ سيرسُو مرساهُ

قد رُفعتْ كُلُّ الدَّعْوَى

لستُ أنا.. لا.. لولاهُ!

وفي تقديري أن في هذه الأوزان التي استخدمها شعراء العامّية خيارات إضافيّة يمكن للشِّعر الفصيح أن يسترفدها، ولربما كانت من أوزان قديمة أهملها الخليل بن أحمد في ما أهمل، وبقيت في التراث الشعبيّ، أو أنها اشتقاقات موسيقيّة، تسوغ في الفصيح كما ساغت في العامّيّ. وما كان بي في نظم القصيدة محاكاة الوزن المسمّى (الهجيني القصير)، لكن موسيقاها جاءت هكذا، فتركتها على ما جاءت.

أمّا سناد الحذو في (عَيني، أَيني، كَوني)، فما أرى به بأساً ولا ثِقَلاً. وهو - كما قال (ابن رشيق) في (العمدة)- (كثير، جائز للعرب)، لكن الطريف إتباع ابن رشيق هذا بقوله: (غير جائز للمولّدين)! وسأعدّ نفسي- يا ابن رشيق- من جُملة العرب الذين كانوا يستجيزونه ويَكثُر في شِعرهم، لا من زمرة المولّدين، فاغفر لي وتجاوز عني، غفر الله لك!





aalfaify@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد