لم أقرأ شعراً على قدر كبير من الجمال منذ وقت طويل، فالشعراء المعاصرون منشغلون هذه الأيام بقصيدة النثر، ومن أعفاه الله من هذا البلاء، ظل يسطر شعراً منظوماً لا روح فيه، وقليلون هم من يجيدون كتابة الشعر، واقل منهم من يجيد فن المديح وهو أحد أهم فنون القصيدة العربية على مر التاريخ، لكني في غمرة قراءاتي المتعددة وقعت على بيتين من الشعر من أجمل ما قرأت في المديح منذ سنوات خلت.
|
يقول الشاعر وهو يمتدح الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجة:
|
يا سيدي والقول فيك رواية |
كتبت عظيم فصولها الأفعال |
إن كنت أخفيت المكارم زاهداً |
فلها لسان فاضح ومقال |
وجاء المديح على خلفية مد يد العون التي قدمها الشيخ عبد المقصود خوجة لأحد الشعراء السعوديين المتعثرين، وكثيراً ما يمدّ الشيخ حفظه الله يده بالمكرمات للمثقفين والشعراء والفنانين والمحتاجين، وكثيراً ما يلجأون إليه في ملماتهم.
|
وهذه ليست جديدة في ما نعرف من شمائله وشمائل والده محمد سعيد خوجة الذي كان يحتفي بالأدباء العرب القادمين إلى مكة في موسم الحج، فيكرمهم، ويجمع لهم أدباء مكة في جلسات أدب مدون بعضها في كتب التاريخ الأدبي.
|
أما الشاعر كاتب الأبيات فهو خالد المحاميد الذي شارك في بناء حركة الثمانينات الثقافية، وقد عرفنا الممدوح، ولم يفصح المحاميد في زاويته (سهم وجرح) التي ينشرها في (الوطن) ونشر فيها البيتين المذكورين عن اسم الشاعر السعودي الذي هب الشيخ عبد المقصود خوجة لنجدته.
|
ما أعرفه أن المحاميد لم يمدح أحداً من قبل، ولابد أن عملاً كبيراً فجر عاطفته الشعرية بوصفه ما يقال في الشيخ عبد المقصود خوجة بأنها رواية مكتوبة بالأفعال، وحين تكتب أعظم فصول الرواية بالأفعال، فإن الأقوال تغدو باهتة أمام قوة الفعل وحضوره المحسوس، وإذا كان الممدوح يخفي مكارمه زهداً، فإن هذه المكارم بوصفها فعلاً محسوساً، تتحدث بنفسها عن نفسها، ويصبح لهاً قول خارج سياق الأقوال، حيث يكون القول هنا هو الفعل نفسه.
|
وإن كنت لا أريد أن استطرد في الحديث عن شاعرية البيتين، إلا إنني لا أستطيع تجاوز شخصية الممدوح من خلالهما والذي يبدو هنا كفارس عربي جوّاد، مستذكرين به فروسية العربي الكريم ونبل شمائله الأصيلة، وأريحيته العالية.
|
والحق أن الشيخ عبد المقصود خوجة يستحق أكثر من مديح في قصيدة، وأكثر من تكريم في منتدى، وأكثر من جائزة تقدم لمنتداه الذي طبقت شهرته الآفاق، فنحن ما إن نحل في بلد عربي، ونتحدث إلى أدبائه وعلمائه، إلا وتكون اثنينية عبد المقصود خوجة حاضرة بيننا، بسمعتها العطرة، وكرم راعيها وأريحيته وتفانيه وإخلاصه، فقد وصلت أفضال الاثنينية إلى أقصى بلدان العالم العربي، ونشرت فيه صورة مشرقة عن وطننا وثقافتنا، وهذا والله هو الفعل الثقافي الذي أشد ما نكون بحاجة إليه، فالعالم الذي ظل يعرفنا لوقت طويل من خلال كوننا شعوباً نفطية، نستقدم الأطباء والمعلمين والعمال والمهنيين، إلى ديارنا، قدمت له الاثنينية وجهاً آخر للوطن، هو الوجه الحضاري والثقافي والمتمدن، حيث يدعى إليه المفكرون والعلماء والشعراء والأدباء، ولا أدري ماذا كنا سنفعل لولا أن فتحت الإثنينية باباً واسعاً للمثقفين والعلماء والشعراء العرب والمسلمين ليتعرفوا على الوجه الحقيقي والأصيل لوطننا، وطن الثقافة والمعرفة، الذي يكشف عن حقيقته مساء كل يوم أثنين، ثم لا نلبث أن نسمع عبد المقصود خوجة يردد بتواضع بأنه لا يفعل شيئاً، غير أنه يفتح أبواب الملتقى لأصحابه، وما هو إلا واحد منهم لا يملك إلا مقعده الذي يجلس عليه بينهم، ولعل المحاميد ابتكر معنى بيته الثاني من صورة التواضع هذه، التي يخفي فيها الشيخ مكارمه زهداً، فتفصح المكارم عن نفسها بنفسها، فتمتلك لساناً يفضح هذا الكرم المكتوم، ويغدو لها قول فيه.
|
لكن للقصيدة بقية، لم نقرأها، ولعل فيما بقي منها شاعرية جميلة كما في البيتين السابقين، والشاعر نفسه وعد بأن يلقي القصيدة في حفل يكرم فيه الشيخ عبد المقصود خوجة، ونحن ننتظر من يقوم بهذه المهمة الكبيرة التي لا ندري من سيتشرف بلها، أم أن الكثيرين انتدبوا أنفسهم لهذا الشرف وفوته عليهم الشيخ بتواضعه وزهده بالأضواء، لأن عظيم فصول روايته تكتب بالأفعال لا بالأقوال.
|
|