الإنجاز الوطني العالمي الكبير الذي تحقق على ثرى (ثول) الذهبي على ساحل البحر الأحمر بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية خلال أيام عيد الفطر المبارك للعام الجاري 1430هـ.
وفي نفس اليوم المصادف لأغلى ذكرى سعودية وهي (اليوم الوطني)، هو إنجاز في بعده الحضاري أكثر من كونه إنجازاً علمياً يتجسد بهذه الجامعة العظيمة؛ بمعنى أن الخطوة الرائدة والنقلة الرائعة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - تتمثل في أنه دشن المنهج العلمي السليم المطلوب من أجل اللحاق بمركب الحضارة الإنسانية، وهو منهج يقوم على أن (نبدأ من حيث انتهى الآخرون)؛ لأن ذلك يعني أن ُنقلّص المسافة بيننا وبين العالم الأول؛ فتكون بالسنين وليس بالقرون؛ فهذا العالم الذي تمثله دول كأمريكا واليابان ودول الاتحاد الأوروبي وكوريا وماليزيا وغيرها من الدول الصناعية والمتقدمة انتهى اليوم إلى الجامعات العلمية (غير التقليدية)، والمراكز البحثية المتعددة الأغراض والحقول، ومجمعات التقنيات الدقيقة والمتناهية في الحجم، التي فتحت آفاقاً واسعة من مجالات البحث العلمي والتطوير التقني في قطاعات مهمة لحياة الإنسان والبيئة والكون....
إن لدينا الجامعات الأكاديمية والكليات التقنية والمعاهد الفنية والمدن الصناعية، وكلها كان لها دورها الواضح في تنميتنا الوطنية الشاملة، غير أن أهمية جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تكمن في أنها تكرس واقعاً لأكثر من (قيمة حضارية) على مستوى المملكة والصعيدين العربي والإسلامي، بما ينعكس إيجاباً على مشاركتنا الإنسانية ودورنا الجديد والمأمول عالمياً؛ فهي تُشيع الحرية البحثية والفكرية للعلماء والدارسين، وتؤسس للمرجعية العلمية والمعرفية للطلبة والباحثين، وتكون قاعدة بيانات ومعارف وخبرات متبادلة لكل علماء الدنيا وخبراء العلوم، وملتقى علمياً موثوقاً للمنظمات والهيئات العلمية الدولية، فضلاً عن إسهام الجامعة غير المباشر في سعادة الإنسان وحماية البيئة واكتشاف الكون وتسخير التقنية، خصوصاً أنها تهدف إلى تحقيق رؤيتها البحثية ورسالتها الحضارية، من خلال محاور استراتيجية تشمل: الموارد والطاقة والبيئة، والعلوم والهندسة البيولوجية، وعلوم وهندسة المواد، والرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية. كل ذلك وفق مناهج أكاديمية رصينة، وآليات بحث دقيقة تديرها عقول واعية وفنون إدارية متقدمة بخبرات عالمية متنوعة اتضحت في كثير من الجنسيات العاملة في الجامعة أو المنتسبة إليها. بهذه الجامعة المنارة للعلم والحكمة استدعى خادم الحرمين الشريفين تراثنا الإسلامي الحضاري الأصيل؛ فالمسلمون هم أول من علّم الدنيا (المنهج التجريبي) في إثبات نظريات العلم وفرضيات العلماء، وأن البحث أساس المعرفة وطريق الحقيقة وجواب سؤال الحكمة. بقي أن ندعو الله أن تكون هذه الجامعة جسر عبورنا إلى العالم الأول.
Kanaan999@hotmail.com