Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/10/2009 G Issue 13517
الخميس 12 شوال 1430   العدد  13517
عاصفة (هوجاء) حول (Kaust)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

 

يأبى التطرف - بكل تشدده وتخلفه وظلاميته - إلاّ أن يكون حاضراً وممثلاً، حتى في بيئات إنسانية وحضارية خالدة، بينه وبينها مثلما ما بين الثرى والثريا.

* جاء قيام (جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية Kaust) - وهي جامعة علمية عالمية، مخصصة للموهوبين والموهوبات فقط - ليكشف لنا من جديد، حجم التطرف الذي يُلغِّم حياتنا اليومية، وخطر التشدد الذي يصبغ مرحلتنا هذه بالتخلف والظلامية، وسوف يظل كذلك، حتى يتحرّر المجتمع السعودي بالكامل، من وصاية (الفقيه الطالباني)، الذي استمرأ التخريب والتشغيب والترهيب، في ظل الجهل العام، أو في ظل تعمد التغاضي عن نواياه، والتساهل مع أهدافه ومراميه، وبالتالي فهو يحقق مكاسب عديدة، على مستويات عدة، ويجني الكثير من حصص الوصاية كل يوم، باسم الدين، والغيرة على الدين، ومن باب النصح، الذي أصبح واسعاً جداً، حتى دخل منه كل طالب شهرة ومنزلة وجاه ومال، وكل طالب فتنة كذلك.

* لماذا قامت الدنيا ولم تقعد، بعد الإعلان عن قيام جامعة عالمية فريدة متخصصة، بحجة الاختلاط، والاختلاط الذي يفرضه واقع العمل والدرس والبحث بمدينة جامعية كهذه، موجود بما هو أكثر منه في المستشفيات، وفي الأسواق العامة، وفي الحرمين الشريفين، وفي شركة كبرى مثل (أرامكو) منذ سبعة عقود، فلم نسمع أو نشهد ما يسيء للدين وأهل الدين من هكذا اختلاط..! ولماذا نخلط - نحن هنا من دون المسلمين جميعاً - بين مفهوم الخلوة المحرّمة وبين الاختلاط، وأي جناية نكرّسها من خلال تضخيم هذا الخلط المبتكر في حياتنا وفي مجتمعنا وعلى أجيالنا في المستقبل..؟ وهل ينقصنا تشدداً ونحن في قمة هرمه، أن نضيف إلى هذا السوء المبين، تشويه سمعة صرح حضاري متحقّق على يدي ملك هذه البلاد الملهم، لما فيه خير بلدنا وشعبنا..؟

* نعرف جيداً أنّ للتطرف والتشدد في بلادنا، (هيئة لكبار المشاغبين والمحاربين)، ولهذه الهيئة الشاذة، أذرع كثيرة، وأرجل كثيرة، ولها أصوات صاجة لاجة، وأقلام لها صرير، أو هو فحيح كفحيح الأفاعي، ولها كذلك مفتون، ومحرضون، وشتّامون، وسبّابون، وبصّاقون، ولعّانون، ومعلمنون، وملبرلون، ومغرِّبون، وغمّازون وهمّازون، ومن هو مشّاء بنميم، وجاهز بالليل وبالنهار، لبثّ الإشاعات، وترويج الشائعات، ولصق الاتهامات، وترصد هذا وذاك، ممن عصى وأبى، فخرج على ولاية (الفقيه الطالباني)، فجأر بصوته، وجهر برأيه، وصدع بكلمة حق ضد أحد من أتباعه، فكيف إن انتقد الفقيه نفسه..؟!

* نعرف هذه الهيئة جيداً، ونعرف تاريخها وصلاتها بفكر التثوير والتكفير والتفجير والتبرير والتدوير والتحوير، وما قدمت وسهلت للقاعدة وأذنابها منذ زمن طويل، ولكن المؤلم في المشهد حقيقة، أن نجد أنفسنا مرغمين، على سماع بعض أصوات من هيئة كبار العلماء، وكأنه يصفُّ مع أصوات (هيئة كبار المشاغبين والمحاربين)، ضد مشروع كان فيما مضى حلماً، فتحقق على أيدي قائد مسيرتنا، وباني نهضتنا، ومجدد آمالنا نحو التقدم لا التأخر، والتطوير لا التخوير، فهل هي أصواتهم غلبت، وعواصفهم هبّت، حتى اخترقت حجب المنطق، وحواجز المعقول، فعصفت وقصفت، ثم فجّرت على طريقتها العاتية، من جاء على طريقها..؟

* ظلّ دعاة الانغلاق - وما زالوا - يحذّرون من كل جديد، ويخوفون حتى من الحديد الذي يُقرب البعيد..! ومن يمعن في خطابهم طوال عقود مضت وحتى يوم الناس هذا، يجد أنهم لا يفرقون بين القيم الإنسانية، والمثل العليا التي تجمع البشر كافة على العمل والتطوير، وبين الانحلال وسوء الخلق.. كله عندهم انحلال وسوء خلق. وأكبر دليل على ما نقول، حملتهم هذه على جامعة الملك عبد الله، ووضعها في خانة التغريب الذي هو من وجهة نظرهم، إدانة لكل ما هو جديد وغربي، حتى لو كان فيه علم وفائدة للبشرية جمعاء.

* لأنّ ليس لهم موطئ قدم في صرح علمي مختلف، وليس لهم وصاية على قرار جامعة عالمية كبرى، سوف تتحرّر من عبودية الوصاية الطالبانية على عملها ورسالتها الإنسانية في البحث العلمي، وتطوير سبل الحوار والسلام والتسامح، فهم يبكون وينوحون على قيامها بين ظهرانينا، لأنها إما أن تكون نسخة من تلك الجامعة التي صنعوها بأيديهم، فمسخوها حتى لم تتورّع عن منح دكتوراه في (المسح على الخفين)، ولم تتمكن حتى اليوم، من الخروج من ذيل قائمة جامعات العالم، أو هي علمانية كافرة، فيبرأ منها في مقال فاجر، من يُحرم على أولاده وبناته الدراسة في المدارس الحكومية، لأنه يراها كلها علمانية. ثم يبكي الآخر حزناً على قيام هذه الجامعة، في مقال له مبلل بالدموع، ومكبل بالصدمات، ومجلل بالإسقاطات النفسية والعقدية، فيقول عنه زاعماً: بأنه (كلمة حق في جامعة الملك عبدالله)..! بينما يتخصص آخر، في تمييع الجامعة العملاقة، بين المبتدأ والخبر، وهو ربط يذكّرنا بقول أحدهم ذات يوم: بأنّ ضم رئاسة تعليم البنات إلى وزارة التعليم، قرار خاطئ يجب الرجوع فيه، فقيل له: هذا قرار مجلس الوزراء، فقال: قرارات مجلس الوزراء ليست قرآناً منزلاً. عندها قيل له: وكلامك كذلك، ليس قرآناً منزلاً..! فما كان منه إلاّ أن ولّى هارباً من خزي الموقف.

* لماذا لا يترك هؤلاء المهيجون الجامعة العلمية وشأنها..؟

* ما شأنهم بصرح كبير ليس لهم ولا لأمثالهم، إنما هو للعلماء الكبار من المخترعين والمبرزين في تخصصاتهم، الذين يخدمون البشرية جمعاء ؛ في بحوث ودراسات للطاقة والطب والفلك، وكافة العلوم التي لا يفقه فيها إلاّ علماء كبار في هذه التخصصات المعقدة..؟!

* لو أنّ الجامعة مخصصة للدراسات الإسلامية وما في مستواها، لقبلنا منهم هذا، ولأصبح هناك مبرر لقيام (كلية للشريعة)، كما دعا واحد آخر من طالبي الهيمنة على الجامعة، في مقال له منشور.. لكن وهي لغيرهم، لماذا يحجرون على أبناء هذه البلاد، ويضيقون على شعبها، ويثبطون ويهبطون من مشاريع رائدة، سوف تضع بلادنا في مصاف الدول المتحضرة والمنتجة للمعرفة في المستقبل..؟

* المستقبل سيداتي سادتي.. لا يأتي إلينا، ولكن نحن من يجب أن يتقدم إليه.

* إذا أردت أن تتقدم خطوة إلى الأمام، فتذكّر أنّ التطرف يقف لك بالمرصاد دائماً، عندها ليس أمامك إلاّ أن تتحرّر من عبودية (الفقيه الطالباني)، وعليك إذن أن تكسر القيود، هذا.. إذا أردت تتقدم فعلاً لا قولاً.



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد