Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/10/2009 G Issue 13517
الخميس 12 شوال 1430   العدد  13517
أي نصيحة هذه يا فضيلة الشيخ سعد؟
الدكتور: عبدالله بن ثاني

 

حينما رأيت ليلة افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مستوى الوفود العالي وكثرتهم ممن حضر للمشاركة في أفراحنا بهذا المنجز العظيم، الذي يضم طلابا وطالبات من مختلف أنحاء العالم تذكرت ما كتبه جورج الثاني ملك إنجلترا والسويد والنرويج إلى خليفة المسلمين هشام الثالث...

...في مملكة الأندلس، ومهرها بتوقيع: من خادمكم المطيع جورج م.أ. (بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة وقد وضعنا ابنة شقيقتنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات الأشراف لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة والحدب من قِبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، مع التواضع والحب والإخلاص).

وقد أجابه برسالة جاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد: إلى ملك إنجلترا وايكوسيا وسكندينافيا الأجل، اطلعت على التماسكم ووافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي، أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهي من صنع أبنائنا هدية لحضرتكم وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا والسلام، التوقيع: خليفة رسول الله في ديار الأندلس هشام الثالث...........

إن ما يقوم به مليكنا من منجزات تسطر تجربتنا في صفحات الخلود وتنقش حضارتنا في صخور الأيام لنثبت للعالم أننا نصدر للإنسانية العلم والمعرفة والحضارة، ولكن الأسف غمرني بسبب بعض الآراء التي كانت تسعى لقتل الفرحة في النفوس كما هو ديدنها دائماً في كل مشروع حتى أصبح كثير من الأحكام المسبقة تُبنى من أجل هذا الهدف غير النبيل، وكان الأولى أن يلتفت إلى رغبة مليكنا في التحليق في فضاءات الريادة والعالمية والوقوف خلفه ومساندته بالدعاء والثناء وتجاوز صغائر الأمور والظنون لأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً في عالم تتسابق فيه الدول والمنظمات بقوى ذات تسارع مخيف ولابد أن نحجز لنا مكاناً يليق.

وما جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إلا مفخرة وطنية، أهداها المليك للإنسانية في وقت يُهدي فيه للبشرية السلاح النووي وفيروسات الإبادة، ليثبت للجميع سمو أهداف هذه الجامعة: 1- توفير الحرية للباحثين ليكونوا مبدعين ومجربين، 2- تمثل أعلى المعايير الدولية في العلم والبحث والتربية، والتعليم، 3- تأمين حرية الوصول إلى المعلومة من دون أي عوائق، وتبادل المعرفة والمهارات والخبرات لتحقيق التنمية والرفاهية الاقتصادية، وأخيراً، 4- دعم وحماية حرية البحث، والتفكير في كل ما يتعلق بالعمل العلمي.

إن تحقيق هذه الأهداف على أرض الحرمين الشريفين فتح لعالم أرحب وأفق أوسع، وقد أسندت هذه المهمة إلى شركة أرامكو التي نجحت قبل ذلك في المشاركة في مجتمعنا السعودي الذي استفاد من مجالاتها في الخبرة التنظيمية والإدارية، وعلينا كمجتمع وأفراد الاستفادة من رؤية خادم الحرمين وتطلعاته لمستقبل أرحب والعمل يداً بيد لضبط مسارنا في هذه المنظومة العالمية كما قال الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة في مقالة في صحيفة الوطن السعودية، حينما تساءل (هل يستفيد المجتمع من هذه الوثبة العالمية، أم أننا سوف نسجنها داخل سورها ونحكم عليها الأقفال من الخارج... ونبقيها جزيرة متطورة متفوقة في بحر من التخلف العلمي والإداري والمالي، كما فعلنا بالجزر السعودية الأخرى مثل: أرامكو والجبيل وينبع... والحي الدبلوماسي في الرياض؟).

إن من يتابع ردود الفعل المحبطة تجاه هذا المشروع من قِبل التيار الحركي يشعر بالخيبة، وبخاصة أن كثيراً من المشوهين والحركيين والمثبطين للعزائم نظروا إلى نصف الكأس الفارغ ولم ينظروا إلى نصفه المملوء، فنالوا من منزلة ولي الأمر ظل الله في أرضه بكثرة وقوفهم على المختلف فيه في نفوس الناس وتضخيم الصغائر وتوسيع دائرة الخلاف والاختلاف، وهذه الجملة (السلطان ظل الله في أرضه) هي مقولة أهل السنة والجماعة، حكاها عنهم ابن أبي زمنين في كتابه أصول السنة، وهي مروية في عدة أحاديث عن رسول الله، ورواها أبو بكر وعمر، وابن عمر، وأبو بكرة، وأنس، وأبو هريرة - رضي الله عنهم-، أشار إلى ذلك السخاوي في المقاصد الحسنة، وذكر أنه جمعها في جزء سماه (رفع الشكوك في مفاخر الملوك).

إن المتربصين يتجاهلون أن كثيراً من القواعد والاجتهادات التي كان مسوغاً تطبيقها في العصور السالفة لم يكن نافعاً تطبيقها على عصرنا الحاضر، والتمسك بها في غير موضعها قصداً من بعض المنتسبين للعلم للنيل من هيبة الولاية العظمى ليس من السنة، قال الإمام بدر الدين ابن جماعة في كتابه: تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام في مساق ذكر حقوق ولي الأمر:الحق الرابع: أن يعرف أن له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله - تعالى - له من الإعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ويلبون دعوتهم - مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم - . وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم فليس من السنة).

حقيقة لم يشغل البال إلا ما ادعى فضيلة الشيخ سعد الشثري أنها نصيحة إلى الملك وتناقلتها وسائل الإعلام بطريقة لم تعهد عن الشيخ المؤدب، في وقت نحن بحاجة إلى علمه وأدبه وهدوئه وتقرير مذهب السلف الصالح في حياة الناس وتعاملهم مع الولاة وبخاصة أن كلمته ليست مثل أي كلمة ولا تصريحه مثل أي تصريح، فواجب على من ينتمي لمؤسسة هيئة كبار العلماء أن يتثبت فيما ينقل له وألا يتحمس مثل الشباب وألا يكون معولاً في يد الحركيين يهدمون به منجزاتنا ويقتلون به فرحتنا في مشروعاتنا ويشوهون به ولاة أمرنا، والله لسنا ضد النصح لولي الأمر بل إن ذلك من واجب العلماء فطالما التقوا بهم وطالما كتبوا لهم بطريقة شرعية تضمن الأدب والستر والتقدير والاحترام لسلطان الله، وذلك من التعاون على البر والتقوى وكان أهل السنة والجماعة على مر التاريخ يقفون وراء أئمتهم بالنصح والإرشاد شفقةً وحباً وكرامةً بلا إفراط في عصمتهم وتعظيمهم كالرافضة ولا تفريط في النيل منهم ونزع توقيرهم من النفوس كالخوارج... فإن كان فضيلته يرى ضرورة الحديث مع الملك في أي قضية فالأبواب مفتوحة له ولغيره من العلماء في أي زمان ومكان وربما تكون للشيخ سعد أوسع فتحاً لاعتبارات والده وأسرته، بل إن نشر حديث من هذا النوع في وسائل الإعلام وعلى رؤوس الأشهاد بحثاً عن رضا الغوغاء والدهماء والعامة لا يحقق مصلحة ولا يزيل فساداً ولا أظنها تخفى على فضيلته الموقرة فضلاً عما يشوب النية في الإعلان من رياء وسمعة وشهرة كان السلف والزهاد يخشون عواقبه على عبادتهم...

يجب علينا ألا ننسى أن المرأة واختلاطها وحجابها وتدريسها على يد الرجال وتدريسها للرجال تحدث عنه العلماء والفقهاء وفصلوا في ضوابطه واختلفوا فيه اختلافاً كثيراً ولابد من احترام كل الآراء وأدلتها المعتبرة وغير المعتبرة، وفي هذا السياق أعجبني رد فضيلة الشيخ عبدالله المطلق حينما سئل في الإذاعة عن موضوع الجامعة الناشئة إذ بين للمتصل منزلة ولي الأمر وأن هذا الأمر- إن رأى النصح فيه -لا ينشر للعامة تعظيماً لمكانته في الإسلام على طريقة السلف الصالح، والدليل عليها ما يلي:

1- قال ابن النحاس في كتابه (تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، وتحذير السالكين من أفعال الهالكين): (ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رأس الأشهاد بل يود لو كلمة سراً ونصه خفية من غير ثالث لها).

قال الشيخ عبدالسلام البرجس معلقاً: (ووفق الله أهل السنة والجماعة - أهل الحديث - إلى عين الهدى والحق إلى الإيمان بأن يناصح ولاة الأمر سراً، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس لما ينجم عن ذلك - غالباً - من تأليب العامة وإثارة الرعاع، وإشعال الفتن.

وهذا ليس من دأب أهل السنة والجماعة بل سبيلهم ومنهجهم جمع قلوب الناس على ولاتهم والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة سراً، والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعل، كالتحذير من الزنى عموماً ومن الربا عموماً، ومن الظلم عموماً، ونحو ذلك).

2- قال الإمام أحمد في المسند: (ثنا أبو النضر: ثنا الحشرج بن نباتة العبسي - كوفي -: حدثنا سعيد بن جمهان، قال أتيت عبدالله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة فسلمت عليه. قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جهمان. قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة. قال: لعن الله الأزارقة، لعن الأزارقة، حدثنا رسول الله أنهم كلاب النار الله، قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك، فأته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه).

3- أخرج البخاري، ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد أنه قيل له: (ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه. قال الحافظ في الفتح: قال المهلب: قوله: (قد كلمته سراً دون أن أفتح باباً)، أي باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة... وقال عياض: مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سراً، فذلك أجدر بالقول. وقال الشيخ الألباني في تعليقه على مختصر صحيح مسلم: يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، لأن في الإنكار جهاراً ما يخشى عاقبته، كما أتفق في الإنكار على عثمان جهاراً، إذ نشأ عنه قتله).

4- قال العلامة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله تعالي -: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع. ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير. وإنكار المنكر من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى، وينكر الخمر، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلانا يفعلها،، لا حاكم ولا غير حاكم ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان، قال بعض الناس لأسامة بن زيد - رضي الله عنه -: لا تنكر على عثمان؟ قال: أأنكر عليه عند الناس؟ لكن أنكر عليه بيني وبينه ولا أفتح باب شر على الناس. ولما فتحوا الشر في زمن عثمان - رضي الله عنه - وأنكروا على عثمان جهره تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه. نسأل الله العافية).

5- قال الشيخ صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى - في كتابه (مقاصد الإسلام)- عندما قرر أن النصيحة تكون للولاة سراً لا علانية وساق بعض الأدلة على ذلك، ومنها هذا الحديث -، قال: (فإذا كان الكلام في الملك بغيبة، أو نصحه جهراً والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه - يريد الاسرار بالنصح ونحوه - لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يغشونهم ويخالطونهم، وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم... إلى أن قال: (فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علناً، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدي بهم، والله يتولى هداك)... وليس المقام مقام تفصيل للأدلة وسردا للنصوص في هذه المسألة..

والله من وراء القصد



abnthani@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد