|
من قلب نجد ومن أعماق عروقها الصافية.. من إقليم سدير و تحديداً من العودة .. ولد المؤرخ والنسابة والأديب الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله الفيصل عام 1362هـ.. فحمل على عاتقه راية العلم التي وهب نفسه لها فوقف جميع طاقاته وإمكاناته المادية والمعنوية له.. العلم؛ الذي أمضى د. الفيصل سنين عمره يبحر في جنباته فلم يتقهقر أو يتنازل رغم تلك العواصف الهائجة التي تحبط مسيرة كل من عقد عزمه على الإبحار في محيطه العظيم، فكانت الرحلة موفقة فآتت ثمارها بمؤلفات تربو على العشرين وبحوث لا حصر لها في خدمة العلم التاريخ والأدب.
|
- تخرج في كلية اللغة العربية بعد إتمامه الثانوية بشهادتين الأولى من الثانوية العامة والثانية من المعهد العلمي بالرياض فاختار طريق الأدب ليلتحق بكلية اللغة ويكمل دراسته بجامعة الأزهر ليحصل على شهادة الماجستير والدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى عام 1398هـ، ليعود أستاذاً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تدرج في المراتب العلمية حتى وصل أعلاها الأستاذية (بروفيسور) وتولى وكالة قسم الأدب ثم رئاسته وهو أول عميد للدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود وعمل مستشاراً غير متفرغ بوزارة الاقتصاد والتخطيط، وهو أستاذ للدراسات العليا بكلية اللغة العربية قسم الأدب، أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه وحصل على عدد من الجوائز والأوسمة.. هذا هو بعض د. عبدالعزيز الذي اختارته
|
* د. عبدالعزيز.. عشتم بداية حياتكم بمدينة عودة سدير فحصلتم على الشهادة الابتدائية من هناك عام 1378هـ، حدثنا عن تلك الأيام كيف كانت وهل توافر لكم - في ذلك الحين - الاطلاع على المعارف والعلوم التي يحتاجها طالب العلم، وهل كانت كافية؟
|
- في بداية حياتي الدراسية درست في مدرسة سعد بن محمد بن حسين عندما كنت في السادسة من عمري، ونحن في نجد لا نسمي المدرسة بالكُتَّاب كما هو الحال في الشام، وإنما نسميها المدرسة، وهذه المدرسة التي عَرَفْتُ فيها القراءة والكتابة في أول عمري بجانب المسجد الجامع، وهي مستطيلة وفي جوانبها كراس طينية مستطيلة غير مفصولة، وفي أعلى المدرسة كرسي للمطوع يسع رجلاً أو رجلين، أما أرض المدرسة فقد فُرشت بالرمل، وطريقة الدراسة فيها أن يكتب المطوع النص القرآني في لوح الطالب، واللوح قطعة من الخشب ولها رأس فيه ثقب يوضع فيه خيط ليسهل تعليق اللوح عند الحاجة. وبما أن الطلاب كثيرون يبلغ عددهم أربعين طالباً أو أكثر فإن المطوع يأمر الطالب المتمكن من الكتابة أن يكتب في لوح زميله المبتدئ النص القرآني المطلوب. ومراحل الدراسة في هذه المدرسة ثلاث: الأولى إتقان القراءة والكتابة بحيث يقرأ الطالب القرآن كاملاً، ويكون قد تمرَّن على الكتابة لأنه كتب القرآن كاملاً في لوحه. المرحلة الثانية حفظ القرآن الكريم. المرحلة الثالثة هي حفظ ثلاثة الأصول على يد المطوع. فإذا أكمل الطالب هذه المراحل الثلاث فقد نجح في هذه المدرسة، وأنا واحد من طلاب هذه المدرسة وقد اجتزت المرحلة الأولى وابتدأت في المرحلة الثانية وحفظت عشرة أجزاء من القرآن الكريم، وفي أثناء دراستي في المرحلة الثانية وحفظي عشرة أجزاء من القرآن الكريم فتحت المدرسة الحكومية في عام (1374هـ) فأخبرنا المطوع سعد بانتقالنا إلى المدرسة الحكومية ووزع على المبرزين من طلبته جوائز وكان نصيبي كتاب (تاريخ القرآن ا لكريم)، ولا زلت أحتفظ بهذا الكتاب في مكتبتي. انتقلنا إلى المدرسة الحكومية فكونت لجنة للنظر في تحصيل كل طالب ومن ثم وضعه في المرحلة التي يستحقها فكنت من ضمن الطلاب الذين وضعوا في السنة الثانية لأنهم يجيدون القراءة والكتابة ووضع بقية الطلاب في السنة الأولى. وانتقلنا من مدرسة سعد إلى بيت مستأجر يحوي خمس غرف في الطابق الثاني بالإضافة إلى الطابق الأرضي حيث بقي متنفساً للطلاب. وابتدأت الدراسة في المدرسة بمدير وهو عبدالرحمن بن ربيعة ومُدَرِّسَيْن للعلوم الدينية وهما سعد بن حسين وعبدالعزيز بن عمران، وأستاذين من الأردن هما عبدالكريم وعبدالعزيز. وقد تغيرت معارفنا في هذه المدرسة، فالأستاذ عبدالعزيز الأردني حول مادة المطالعة إلى قراءة في قصص الأطفال التي جلبها معه ومنها قصة (سِنْدِرلاَّ) وغيرها، فكنا نطلع على هذه القصص لأول مرة، وقد فتحت أعيننا على حياة جديدة تختلف عن حياة القرية التي نعيش فيها، وقد شرعنا في دراسة الرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا بالإضافة إلى الجمعيات في المدرسة ومنها جمعية الدفاع المدني وجمعية الكشافة وجمعية النادي وجمعية الرياضة. وقد أمضينا المرحلة الابتدائية في تآلف وإخاء وتعاون وتحصيل جاد، فلما تجاوزنا هذه المرحلة كان تحصيلنا وافراً يؤهلنا للمرحلة التي بعدها بجدارة.
|
* حصلتهم على شهادة الدكتوراه والماجستير من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر تخصص أدب ونقد عام 1398هـ.. كيف قضيتم تلك السنين القاهرية ومن زاملكم في ذلك الوقت، وما هي أبرز المواقف التي واجهتموها في ذلك الحين؟
|
- قدمت أوراقي لقسم الأدب والنقد في جامعة الأزهر في مصر فقبلت واستبشرت خيراً، فسألت عن دراسة الماجستير في تلك السنة فأُخبرت أن الدراسة منهجية مكونة من سنتين بالإضافة إلى بحث مكمل يناقش مناقشة عادية، وقد انتظمت في الدراسة بجد واجتهاد ومرت الأيام وأنا أنتظر انقضاء العام واجتياز السنة الأولى، وقد فوجئت أنا وزملائي باختبار قاس، وكنا ننتظر النتيجة بصبر وأمل، وخرجت النتيجة فإذا هي مخيبة لآمال كثير من الطلاب، فنسبة النجاح في قسم الأدب والنقد في تلك السنة (1973م) كانت متدنية جداً، وقد سمعت من العاملين في الكلية أنها أسوأ نتيجة في تاريخ كلية اللغة العربية في الأزهر، وقد حالفني الحظ فكنت من ضمن الناجحين، وقد غادر الكلية أعداد كبيرة من الطلاب اتجهوا إلى جامعة القاهرة وجامعة عين شمس، وباشرت الدراسة في السنة الثانية وكان الخوف يصحبني بسبب اختبار السنة الأولى ولكن الأمور عادت إلى المسار الطبيعي فاجتزت السنة الثانية -ولله الحمد- وقدمت بحثاً مكملاً هو دراسة حياة الصمة بن عبدالله القشيري، ودراسة حياة الصمة القشيري فتحت لي الطريق في الاطلاع على شعراء بني قشير.
|
وبعد اجتياز مرحلة الماجستير أخذت أبحث عن موضوع للدكتوراه فأخذت أتنقل بين المكتبات: دار الكتب المصرية ومكتبة الجامعة ومكتبة معهد المخطوطات في ميدان التحرير، وقد اطلعت على كثير من مخطوطات المعهد واستشرت بعض العاملين فيه ومنهم الدكتور عبدالفتاح الحلو والدكتور محمد مرسي الخولي -جزاهم الله عني خيراً- وبالرغم من البحث إلا أنني لم أجد المخطوطة التي ترضيني، فأخذت أبحث في شعر وشعراء بني قشير فوجدت الشعر كثيراً والموضوع جديداً فقدمت الموضوع لقسم الأدب والنقد فوافق عليه وعين المشرف على رسالة الدكتوراه وهو الأستاذ الدكتور سليمان ربيع، وكان الأستاذ الدكتور سليمان ربيع خير معين لي بالرغم من توجيهاته التي تنقض عملي أحياناً، فأذكر أنني قدمت له جزءاً من الرسالة يشتمل على جمع الشعر لمجموعة من شعراء بني قشير وقد حققته وشرحت الكلمات الغامضة فقال أعد النظر في هذه المجموعة واشرح الشعر بيتاً بيتاً، وقد نفذت ما يطلبه المشرف وأكملت الرسالة بعد سنوات من البحث والاستقصاء والمشورة، وشُكلت لجنة المناقشة من الأستاذ الدكتور حسن جاد عميد كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر والأستاذ الدكتور عبدالحميد الدواخلي من جامعة القاهرة بالإضافة إلى الأستاذ الدكتور سليمان ربيع المشرف على الرسالة، وقد ناقشني الأستاذة الأفاضل في رسالتي ومنحت درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى. أما زملاء الدراسة فهم كثيرون أذكر منهم الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين والأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع والأستاذ الدكتور إبراهيم الفوزان. وأذكر أن رسالتي في شعر القبائل فتحت الطريق لطلاب الدراسات العليا فاتجهوا إلى الطريق الذي سلكته وسُجلت رسائل في شعر القبائل في جامعة الأزهر وجامعة القاهرة وجامعة عين شمس، وامتد الاهتمام بشعر القبائل إلى جامعات الدول العربية الأخرى كما امتد إلى جامعات المملكة.
|
* في بداية حياتكم العملية عملتم في القصيم والغاط والمدينة.. كيف هي تجربتكم هناك؟
|
- بعد تخرجي في كلية اللغة العربية سنة (1388هـ) عينت في المعهد العلمي في المدينة وكانت فرصة طيبة أن أتعرف على العاصمة الأولى للدولة الإسلامية عن قرب. ومن حسن حظي أن التقيت بزميل لي في المعهد العلمي في الرياض هو العالم الجليل (بكر أبو زيد) - رحمه الله- فقد كنت أصلي في الحرم المدني فرآني وانتظر حتى فرغت من صلاتي وسلم فحييته بحرارة وجرى بيننا حديث عن رحلة المَلْقَا ذلك أننا كنا زملاء في المعهد العلمي في الرياض: الدكتور بكر أبو زيد والدكتور سعود الفنيسان والشيخ ناصر بن الشيخ عبدالرحمن بن قاسم، فدعانا الشيخ ناصر للقيام برحلة لمزرعة والده في المغيدر من ضواحي الدرعية فاستجبنا للدعوة، وعندما عاد الشيخ ناصر إلى سيارته وجدها لا تصلح للرحلة فركب الزملاء في سيارتي وسرنا في وادي الدرعية فانغرست عجلات السيارة في الرمل وأخرجناها بصعوبة وواصلنا السير حتى وصلنا المغيدر وكنا متعبين، وعندما حانت صلاة الفجر وقمنا للصلاة تسابق الزملاء بكر أبو زيد وسعود الفنيسان لرفع أذان الفجر كل واحد منهما يرغب في أن يحظى بأجر الأذان، فقلت نحكم الشيخ ناصر في هذا الأمر فقال الشيخ ناصر واحد يرفع الأذان وواحد يصلي بنا واتفق الاثنان وأدينا صلاة الفجر، كان هذا هو موضوع حديث اللقاء في الحرم المدني، بعد ذلك قام الخبير بالحرم النبوي بكر أبو زيد يشرح لي كل صغيرة وكبيرة في الحرم، فيقول هذه أسطوانة عائشة (سارية) وهذه أسطوانة الصحابي فلان وهذه دكة الأغوات، فسألته من أين لك هذا العلم فقال بالتعلم من المشايخ والعلماء، رحم الله العالم الجليل (بكر أبوزيد). وبما أنني أتطلع إلى المعرفة وأسأل عن الخبراء بتاريخ المدينة وآثارها فقد قيض الله لي أحد العاملين في المعهد هو سليمان المروبع وكان يسكن في جبل الرماة في أحد فكنت أخرج معه إلى مقابر الشهداء في أحد فيشير إلى قبر حمزة وقبر الصحابي فلان ويعين الأسماء، وفي البقيع أوقفني على قبور الصحابة، وذهبنا معاً إلى موقع الخندق وجبل سلع والمساجد السبعة، وذهبنا إلى العنبرية في أحد الأيام لاستقبال حمير الزيارة الرجبية وكانت آخر رحلة على الحمير، وزرنا الحرة الغربية والحرة الشرقية وسد العاقول الطبيعي الذي سد الوادي على أثر بركان المدينة سنة (654هـ). وأمضيت في المدينة سنة واحدة أخرج إلى المناخة والعنبرية وأحد وقباء فكانت سنة عمل وعلم وفائدة.
|
وفي السنة التالية نقلت إلى (الغاط) أي سنة (1389هـ) وكان مدير المعهد ابن جبرين رجلاً فاضلاً فأخبرني أن معالي الأمير تركي بن أحمد السديري ينشئ مزرعة له في حمادة الغاط وهو يأنس بمن يقصده ويرحب به فلنذهب إليه آخر العصر وبعد المغرب، فكنا نذهب إلى الأمير تركي وننصت إلى أحاديثه التاريخية ويقاطعها أحياناً بالحديث عن المزرعة وأنواع النخيل التي أحضرها من البصرة، ويقول أحضرت نخل البرحي وهو لا يُعرف في نجد وسيكون معروفاً من هذا اليوم -رحم الله الأمير تركي وأسكنه فسيح جناته. ومما بقي في الذاكرة من تلك السنة التي قضيتها في الغاط أن الأمير سعود السديري أمير الباحة في ذلك الوقت قدم الغاط ووضع له مخيماً خارج المدينة ودعا الأهالي للعشاء، فأخبرني ابن جبرين بذلك وخرجنا إلى المخيم فاستقبلنا الأمير ورحب بنا وجلسنا نستمع إلى حديث الأمير، وتخلل المجلس أحاديث متقطعة وسكوت في بعض الأحيان، وكان الأمير سعود يكتب في مجلة المنهل وأنا من المتابعين لمقالاته في تلك المجلة فرأيت المقام مناسباً للحديث عن تلك المقالات فاستأذنت في الحديث ثم قلت إنك ذكرت كذا في مقالك الفلاني في مجلة المنهل وذكرت كذا في المقال الآخر، فهش الأمير لذكر مقالاته وباتت تلك المقالات حديث تلك الليلة إلى أن حان وقت الانصراف.
|
أما عملي في القصيم فهو في كلية الشريعة واللغة العربية في بريدة، فقد عملت في قسم الأدب والنقد في كلية الشريعة واللغة في القصيم في سنة (1399هـ) بعد عودتي من مصر، فسكنت في فندق السلمان في شارع الخبيب في بريدة سنة كاملة، وكنت أدرس مادة النقد لطلاب السنة الثالثة في كلية اللغة، وقد وجدت الوقت متسعاً فألفت كتابي في الفندق المذكور (قضايا ودراسات نقدية)، وهذا الكتاب طبع في مطابع عيسى البابي الحلبي في مصر طبعته الأولى سنة (1399هـ) وطبع في مطابع حنيفة التابعة لمؤسسة الجزيرة في الرياض في سنة (1401هـ) والطبعتان نفدتا قبل ربع قرن، وقد أمضيت في القصيم سنة واحدة. وأقول إنني اكتسبت خبرة في التعليم العام وفي التعليم الجامعي.
|
* بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية توليتم وكالة ثم رئاسة قسم الأدب قبل ثلاثين عاماً.. بعد كل هذه السنين كيف تنظرون إلى هذا القسم وهل هو بحاجة إلى التطوير والتحديث؟
|
- العمل الإداري عندما يناط بعضو هيئة التدريس من عمادة كلية أو وكالة كلية أو رئاسة قسم أو وكالة قسم فإنما هو إضافة لجدوله يتحمله فترة ثم يتخفف منه، وقد توليت وكالة القسم ثم رئاسة قسم الأدب ثم عمادة الدراسات العليا ولم أتخل عن نصابي التدريسي مطلقاً، فأنا أقوم بتدريس جدولي مع نهوضي بالعمل الإداري المضاف، وعند ما توليت رئاسة قسم الأدب حرصت على قبول المعيدين، وقد انضم إلى القسم إبان رئاستي خمسة معيدين ومن هؤلاء من وصل إلى درجة أستاذ -ولله الحمد، والقسم على امتداد وجوده يعاني من عدم قبول المعيدين حتى إننا نتعاقد الآن مع أعضاء هيئة التدريس للتدريس في القسم، والسبب في ذلك أن بعض من يتولى رئاسة القسم لا يهتم بإمداد القسم بالمعيدين أو يقبلهم ولا يتابع قبولهم في لجنة المعيدين ويشرف على حصة الكلية ثم القسم من المعيدين فتمر السنة والأمور في أخذ ورد بين الكلية وإدارة الجامعة، فتذهب وظائف المعيدين إلى كليات أخرى في الجامعة أو إلى أقسام أخرى داخل الكلية، فالمتابعة ضرورية، فلو أن كل من تولى رئاسة القسم حرص على انضمام المعيدين لقسمه لاستغنى القسم عن التعاقد منذ زمن، ولكن الواقع يثبت ديمومة التعاقد بسبب التراخي في قبول المعيدين. وأما ما يتعلق بتطوير القسم وتحديث المناهج فهو يسير في الطريق الصحيح، فالجامعة منذ سنتين زودت مكاتب الأساتذة بأجهزة حاسب، وتلك الأجهزة ساعدت في رصد الدرجات وفي إرسال الأوراق وفي تحول الكتابة من اليدوية إلى الكتابة في الجهاز، وفي آخر السنة المنصرمة زودت الجامعة أعضاء هيئة التدريس بالجهاز المحمول، وهذه خطوات تطويرية. أما من ناحية المناهج فمجلس القسم ينظر فيها من سنة إلى أخرى، وفي السنة الماضية أضفنا بعض المواد لطلاب الماجستير في التعليم المعتاد والموازي، مثل: نظرية الأدب واللسانيات النظرية والتطبيقية ومناهج الدراسات الأدبية والسرديات واللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى المواد التي تدرس من قبل وهي: تاريخ الأدب والأدب المقارن وقاعة البحث والنصوص الأدبية والنقد الأدبي، والتوسع في المواد بسبب التحول في تدريس الماجستير الموازي إلى دراسة منهجية بالإضافة إلى البحث المكمل. وهذه المواد الجديدة درسها الطلاب في الفصل الماضي واجتازوها وإن كانوا يتذمرون من اللغة الإنجليزية وبعض المواد الجديدة. أقول إن القسم لا يغفل الأخذ بالجديد مع الحفاظ على الأصالة، فنحن نوجه طلاب الماجستير والدكتوراه إلى تحقيق المخطوطات وتسجيل رسائلهم في الأدب القديم، ولكن الأكثرية من المعيدين والمحاضرين والدارسين يرغبون في الأدب الحديث، فنحن نعاني من توجه الطلاب إلى الأدب الحديث.
|
* كنتم أول عميد للدراسات العليا بالجامعة فأسستم العمادة ورسمتم منهجها؛ ما هي الصعاب التي واجهتموها في هذا الميدان، وما هي رؤيتكم لمستقبل الدراسات العليا في المملكة العربية السعودية؟
|
- عندما عينت عميداً للدراسات العليا بدأت من الصفر، فلا بد من رسم خطة العمل، ولا بد من وجود مقر للعمادة، ولا بد من وجود موظفين. بحثت عن مقر مناسب في الجامعة فلم أجد، فكل كلية يقول عميدها نحتاج إلى القاعات كلها، فأخبرني المهندس الجريان أن معهد القضاء كبير وهو ليس بحاجة إلى كل القاعات فذهبت إلى عميد المعهد وطلبت منه إعطاء العمادة الطابق الأرضي فمبنى المعهد يتكون من طابقين بالإضافة إلى الطابق الأرضي، فقال العميد المبنى ملك للمعهد وهو بحاجة إلى كل القاعات، فذهبت إلى مدير الجامعة وأخبرته أن المعهد لديه قاعات لا يحتاج إليها وطلابه يسعهم طابق واحد، فقال لي: المبنى ملك للمعهد ولكن سأتحدث مع عميد المعهد، وبعد مداولات استغرقت أكثر من شهر وافق عميد المعهد على إعطاء العمادة جزءاً من الطابق الأرضي وقاعة من الطابق الأول، فرضيت بذلك وأحضر المهندس الجريان عماله ليفصلوا ما أعطانا عميد المعهد فرضيت بالمقر وإن لم يكن لائقاً بالعمادة، وما زالت العمادة في هذا المكان الضيق إلى الآن، وعندما أصبح للعمادة مقر كونت مجلس العمادة وبدأ العمل في المجلس فكنت أستقبل ما يرد من الكُلِّيّات وأعده للجلسة وأرأس الاجتماع وأكتب المحضر والخطابات، كل ذلك أقوم به، فقد اقترحت ثلاثة أسماء يختار منها وكيل للعمادة فلم تأت الموافقة ورفعت أسماء أخرى ولم يعين الوكيل الدكتور ناصر اليحيى إلا بعد سنة من تسلم المقر، وكنت قد طلبت موظفين وبعد متابعة ومضي أشهر عين موظفان على بند الساعات فرضيت بذلك وبدأ العمل يأخذ طريقه عندما أصبح الدكتور ناصر اليحيى يقوم بجزء من العمل وقد تحملنا معاً القبول ومتابعة المجلس وقضاياه وهي كثيرة.
|
أما رؤيتي لمستقبل الدراسات العليا فأرى أن الإقبال على الدراسات العليا فاق التوقعات وأتمنى أن يربط هذا الإقبال بخدمة المجتمع، فهناك توجه للدراسات العليا في أي تخصص وإن لم يكن المجتمع في حاجة إليه، فالذين ينتظمون في الدراسات العليا في أقسام الجامعات من معيدين ومحاضرين يخضعون لتوجيه مجالس الأقسام فيما يخص حاجة القسم فيخضع الطالب إلى توجيه مجلس القسم في تسجيل رسالته، ولكن الدارسين وطلاب التعليم الموازي يسجلون رسائلهم بحسب رؤيتهم، فمجلس القسم لا يفرض عليهم رؤيته وإنما يوافق على المخطط والموضوع من الناحية العلمية والنظامية، وأتمنى أن تتوسع الدراسات العليا في الطب والصيدلة والهندسة والعمارة وما نحن في أمس الحاجة إليه، وأرى أن جامعة الملك عبدالله ستخطو خطوات غير مسبوقة في الدراسات العليا في التخصصات العلمية التي يحتاج إليها الوطن ويحتاج إليها العالم، وقد تؤثر هذه الجامعة في عمادات الدراسات العليا فتنهج الجامعات النهج الجديد في الدراسات العليا. وأقول إن الحاجة قائمة في كل التخصصات ولكن ليس بالأعداد الكبيرة التي تتجاوز حاجة المجتمع بحيث يشتغل الخريج في غير تخصصه. إننا نتمنى ونتمنى وتمضي السنين بدون تحقق كل ما نطلب ونتمناه ولكن لا ننسى أن الجامعات حققت الكثير في مجال الدراسات العليا وأمامها الكثير الذي لم ينجز ولكن العمل الدءوب سيكون له نتائج طيبة إن شاء الله.
|
* لديكم عدد من المؤلفات تربوا على العشرين مؤلفاً يتصدرها شعر القبائل العربية جمعاً وتحقيقاً ودراسة؛ بداية بشعراء بني قشير في الجاهلية والإسلام وحتى آخر العصر الأموي في مجلدين، وشعر بني عقيل وشعرهم في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي جمعاً وتحقيقاً ودراسة في مجلدين، وشعر بني عبس في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي جمعاً وتحقيقاً ودراسة في مجلدين، وديوان الصمة بن عبدالله القشيري جمع وتحقيق.. وتحتوي هذه الكتب على عشرات الآلاف من أبيات الشعر المحققة والموثقة والمنقحة بالإضافة إلى إثبات الشعراء ونسبهم إلى تلك القبائل، حدثنا عن هذا المشروع الكبير وعن مستقبله وهل لاقى الشكر من الجهات المعنية؟
|
- خدمت ولله الحمد لغة القرآن بمؤلفات كثيرة منها التأليف في شعر القبائل العربية، فقد ألفت في شعر القبائل ستة مجلدات وأشرفت على كثير من الرسائل في شعر القبائل واشتركت في مناقشة عدد من الرسائل في شعر القبائل، فالعمل في شعر القبائل إسهام في جمع الشعر العربي وتوثيقه ونسبته إلى قائليه، والاهتمام بشعر القبائل ازدهر في القرن الثاني والقرن الثالث، فإذا قرأنا في كتاب الفهرست لابن النديم أو في كتاب المؤتلف والمختلف للآمدي وقفنا على الاهتمام بشعر القبائل في القرنين المذكورين، ومن مشاهير العلماء الذين اهتموا بجمع شعر القبائل العربية حماد الراوية وأبوعمرو الشيباني والأصمعي والمفضل الضبي وأبوعبيدة معمر بن المثنى والسكري، وقد فقد ما جمعه هؤلاء باستثناء شعر هذيل الذي جمعه السكري وهذه المجاميع كثيرة، فيروى أن أبا عمرو الشيباني جمع نيفاً وثمانين مجموعاً للقبائل العربية وقد فقدت مجاميعه ومجاميع غيره من الرواة والعلماء. وقد رأيت أن الاهتمام بشعر القبائل يمكن أن يبعث من جديد وإن كانت الوسائل المهيأة لعلمائنا الأوائل لم تهيأ لنا الآن، وقد ساعدني على ذلك ورغبني فيه صلتي بكتب التراث وشعر العرب إبان قوته مع وقوفي على بلدان الشعراء ومشاهدة الجبال والأودية والدارات التي ذكروها في أشعارهم فتوطدت العلاقة بيني وبين شعر القدامى فأخذت أبحث عنه سواء كان لشاعر مكثر أو لشاعر مقبل، ومن خلال ذلك البحث لَحَظْتُ أن في أشعار المقلين قصائد ومقطعات لا تقل أهمية عن قصائد المكثرين من الشعراء. ومن المعروف أن الاهتمام بجمع الدواوين ينصب على الشعراء المكثرين، ومن هنا أُهمل الشعراء المقلون، فمن مزايا جمع شعر القبيلة ضم المقلين إلى المكثرين وعدم إهمال المقلين. ثم إن شعر القبيلة يميز لغتها وإسهامها في بناء اللغة العربية بكثرة الشواهد المبثوثة في كتب اللغة والنحو والصرف والتفسير والبلاغة، فكلما كثرت الشواهد في كتب التراث المختلفة دل ذلك على الإسهام الفاعل في اللغة العربية، ولذلك نجد لغة قريش وقيس وتميم تتقدم على لغات غيرها من القبائل العربية مثل جهينة وبلي وكندة والأزد وحتى قبائل ربيعة مثل بكر وتغلب وفروع هذه القبائل مثل بني قيس بن ثعلبة وبني شيبان وبني حنيفة لم تسهم الإسهام الفاعل في بث الشواهد في كتب التراث المختلفة فوجودها قليل إذا قيس بشواهد القبائل المضرية. وقد يقول قائل إن شهرة الشاعر - مثل الفرزدق - هي التي تهيئ لشعره الانتشار في كتب الشواهد، وأقول إن ذلك عامل واحد ولكن القبائل المضرية هي التي احتلت المكان الأول في كتب الشواهد مثل الخزانة وشواهد مغنى اللبيب والإسعاف في شرح شواهد القاضي والكشاف وغيرها، أقول إن جمع شعر القبائل يضم شعر المقلين مما يهيىء الانتفاع بهذا الشعر ولا تقتصر المنفعة على شعر أصحاب الدواوين المفردة ومن فوائد جمع شعر القبيلة ربط اللغة العربية الحاضرة باللغة العربية إبان ازدهارها في القرون الأولى، وأضرب مثالاً واحداً على ربط حاضر اللغة بماضيها بلغة عُقَيْل القبيلة العامرية القيسية المضرية، فهي تنطق (الخاتم) (الخاتام) قالت امرأة من بني عقيل:
|
لئن كان ما حدثته اليوم صادقا |
أصم في نهار القيظ للشمس باديا |
وأركب حمارا بين سرج وفروة |
وأعر من الخاتام صغرى شماليا |
وهذه اللغة نسمعها في بلاد بني عقيل القديمة، وادي الدواسر الحالية وفي المناطق المجاورة لها مثل الأفلاج والحريق، فلا زالوا ينطقون بلغة عقيل القديمة فتسمعهم يقولون (خاتام) ولا يقولون (خاتم)، ونسمع في البادية في بلاد بني عقيل القديمة التي هي وادي الدواسر وما جاورها من يقول: (عَامَ أَوَّلاَ) وقد قال القحيف العقيلي:
|
أَتَعْرِفُ أم لا رَسْمَ دارٍ مُعَطَّلا |
من العام يمحاه ومن عام أَوَّلاَ |
وأعود إلى الشق الثاني من السؤال: (هل لاقى الشكر من الجهات المعنية)؟
|
فأقول إن من يعمل لخدمة دينه ولغته ومجتمعه ووطنه بإخلاص لا ينتظر الشكر، فإذا استعرضنا تاريخ المؤلفات وجدنا بعضها يشتهر بعد موت المؤلف بمئات السنين وبعضها يشتهر في حياة المؤلف، فأظن أن مسألة الحظ التي يتحدث عنها الناس تتوافر للكتب كما تتوافر للأشخاص.
|
(يتبع) |
|