كان من المتوقع أن نسمع من الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، في حفل المعايدة الذي أقامته الهيئة الملكية بالجبيل، عن شؤون الهيئة ومشروعاتها الضخمة، وإنجازاتها، إلا أنه آثر الحديث عن جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بطرح جميل غلفه الفخر والاعتزاز بميلاد تلك المنشأة الأكاديمية العملاقة.
يعتقد الأمير سعود أن الجامعة تعكس رؤى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الفكرية، التطويرية، والحضارية، وإنه يجب ألا يُنظر لها من زاوية مجموعة الدارسين والباحثين فيها فحسب بل من زوايا أكثر شمولية، آخذين في الاعتبار ما ستقدمه الجامعة للمجتمع، ومكوناته المختلفة ومنها الجامعات الأخرى التي يفترض أن تكون أكثر المستفيدين من عدوى التطوير.
يَندُر أن يتجاهل المسؤولون الحديث عن منشآتهم وإنجازاتهم لمصلحة مشروعات أخرى قد تكون منافسة في بعض الأحيان. الأمر يبدو مختلفا في الهيئة الملكية ولعل نجاحهم المحقق على أرض الواقع، وتجردهم، جعلهم أكثر تقديرا واعتزازا بنجاح الآخرين، واحتفاءً بما يُقدم للوطن، وإذا ما ارتبط ذلك بحُلم المليك فالأمر يصبح مقدما على كل ما سواه.
هل هناك علاقة بين جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والهيئة الملكية للجبيل وينبع؟ يؤمن الأمير سعود بوجود العلاقة الوثيقة بينهما، ويجزم بأن العلاقة تتعدى تبادل المصالح المباشرة إلى تبني فِكر وثقافة الجامعة، ونهجها التطويري في بناء المجتمع وتنميته، وهو جزء من رؤى خادم الحرمين الشريفين وقبل كل ذلك استشراف رؤى الملك عبدالله بن عبدالعزيز التطويرية، وتبني نهجه الإداري والفكري في كل ما له علاقة بتنمية الإنسان والمكان. يعتقد الأمير سعود أن الهيئة الملكية ربما كانت أكثر المؤهلين لمحاكاة جامعة الملك عبدالله، والاستفادة منها في عمليات التطوير والابتكار، فالهيئة تمتلك الآليات المناسبة لإحداث التطوير الشامل، ولا تتردد في فتح أبوابها لمشاركة القطاع الخاص في عمليات البحوث والتطوير التي يحتاجونها لتحسين الأداء وكفاءة العمل. من وجهة نظر خاصة أعتقد أن هناك رابطاً حقيقياً بين مشروع جامعة الملك عبدالله والهيئة الملكية، وهو رابط الإنجاز والكفاءة. فالدقة في إنجاز مشروع الجامعة، وكفاءة التنفيذ والالتزام بالوقت القياسي الذي نجحت أرامكو السعودية في تحقيقه، حدث أيضاً في مشروعات الهيئة الملكية للجبيل وينبع وهي مشروعات قدرت تكلفتها بمئات المليارات. جميع مشروعات الهيئة الملكية أنجزت في وقت قياسي، وبكفاءة عالية، وبرؤية إستراتيجية شاملة أهلت مدينة الجبيل الصناعية لتحقيق أرقام قياسية عالمية سجلت باسم الوطن. النجاح يولد النجاح، ونجاح الهيئة الملكية وأرامكو السعودية في إدارة مشروعاتهما مكنتهما من ضمان تحقيق النجاح في أي مشروع يطلب منهما، بإذن الله. أجزم بأن أرامكو السعودية والهيئة الملكية للجبيل وينبع هما الجهتان القادرتان على تحقيق رؤى الملك عبدالله المستقبلية بكل دقة وتفان.
بعيداً عن رسميات الحفل، أخذنا حديث الأمير سعود الشيق، إلى محور خدمة المجتمع وكنت مُعتقداً أنه ربما أبدى تحفظاً في هذا الجانب، بحكم رئاسته مجلس إدارة شركة سابك، إلا أنه كان أكثر شفافية، وانحاز إلى جانب المجتمع وأبدى حماسة بضرورة تقديم القطاع الخاص مساهمات مستمرة ضمن برامج خدمة المجتمع، وكشف عن بعض الجهود التي أثمرت عن توفير تبرعات مجزية من القطاع الخاص وجهت للجمعيات الخيرية في مدينتي الجبيل، والجبيل الصناعية. وجدت الأمير سعود ملماً بكل ما يتعلق بالهيئة الملكية ومدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وزاد أن ناقشني في بعض التوصيات ذات العلاقة بخدمة المجتمع، والتي طرحتها من خلال برنامج خاص بُث في قناة الإخبارية منذ عدة أشهر متزامنا مع الزيارة الملكية، وكان مؤيداً لفكرة حث شركات القطاع الخاص بإنشاء المعاهد التقنية، ومراكز التدريب وتولي عملية تدريب حملة الثانوية كجزء من برامج المجتمع، في الوقت الذي أكد فيه على أن سابك والهيئة الملكية قامتا بتنفيذ مجموعة من المشروعات ضمن برامجهما الخاصة بخدمة المجتمع، إضافة إلى مبادرة الهيئة الملكية بوضع شروط خاصة تلزم من خلالها شركات القطاع الخاص المرتبطة معها بعقود، تقديم مساهمات محددة ضمن برامج خدمة المجتمع. الأمير سعود تحدث عن الوقف وأهميته في الإسلام، والمجتمع، وضرورة أن يقوم القطاع الخاص ببناء الأوقاف، ووجوب البدء في عمليات تثقيف واسعة لزيادة وعي المجتمع بأهميته، ونشره بين المحسنين من خلال العلماء، خطباء المساجد، والجهات الأخرى. المتتبع لعمليات الهيئة الملكية للجبيل وينبع يصل إلى قناعة تامة بأن المال وحده لا يمكن أن يخلق النجاح، بل الفكر، الإخلاص، الإرادة، والعمل الجاد هم المسؤولون، بعد توفيق الله، عن تحقيقه على أرض الواقع. لو نشرت ثقافة عمل الهيئة الملكية للجبيل وينبع على وزارات الدولة الخدمية لما اشتكى المواطنون من قصور الخدمات، ومعضلات الإنجاز، وتدني مستوى كفاءة المشروعات الخدمية، بالرغم من حجم الإنفاق الحكومي المهول. وكل عام والوطن بألف خير.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM