يصادف أول أكتوبر هذا العام الذكرى الـ60 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، بهذه المناسبة قال سعادة السفير الصيني السيد يانغ هونغلين: يطيب لي أن أعرب باسمي شخصياً ونيابة عن جميع أعضاء سفارة الصين لدى المملكة عن التهاني الحارة والتمنيات الخالصة إلى المواطنين الصينيين والجالية الصينية الذين يدرسون ويعملون ويعيشون في المملكة. كما يسعدني أن أتقدم بخالص التهاني والتمنيات إلى قيادة المملكة وشعبها الصديق بمناسبة عيد الفطر المبارك والذكرى الـ79 لليوم الوطني للمملكة، وأعبر عن شكري لجميع الأصدقاء من مختلف أوساط المجتمع السعودي الذين يحرصون على تدعيم العلاقات بين الصين والمملكة بكل عناية.
تم تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949م، الأمر الذي فتح عهداً تاريخياً جديداً لمسيرة تنمية الصين. وخلال الـ60 سنة الماضية، وبفضل قيادة الحزب الشيوعي الصيني، أحرزت الصين إنجازات تلفت أنظار العالم في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على الوحدة الوطنية والتضامن القومي وتطوير العلاقات الخارجية وغيرها من المجالات. إذ إن اقتصاد الصين شهد قفزاً تاريخياً، وحتى نهاية عام 2008م، تضاعف إجمالي الناتج المحلي الصيني بـ77 مرة مما كان عليه في بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية، حيث أصبحت الصين ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وبلغ حجم الواردات والصادرات الصينية 2561.6 مليار دولار أمريكي، حيث يحتل المركز الثالث في العالم بنسبة ما يقارب 8% من الحجم الإجمالي للتجارة العالمية، وبلغ احتياطي العملة الأجنبية في الصين أكثر من (2) تريليونين دولار أمريكي حيث يحتل المرتبة الأولى في العالم. ومنذ نهاية العام الماضي، شهد الاقتصاد العالمي ركوداً خطيراً بسبب استمرار انتشار الأزمة المالية العالمية، غير أن حكومة الصين اتخذت سلسلة من الإجراءات الاقتصادية التحفيزية ونجحت في مواجهة التداعيات السلبية الناجمة عن الأزمة، حيث حقق اقتصاد الصين في النصف الأول للعام الحالي نمواً بمعدل 7.1%، ومن المتوقع أن يحقق النمو المستهدف بمعدل 8.0% حتى نهاية هذا العام. ونجحت الصين في إقامة الدورة الـ 29 للألعاب الأولمبية في بكين في عام 2008م، وسنقيم معرض أكسبو 2010م في مدينة شانغهاي في العام القادم، حيث سنعرض للعالم صورة الصين المتناغمة والمتسامحة والمزدهرة والمتقدمة.
وخلال الـ60 سنة الماضية، طرأت على ملامح المجتمع الصيني التغيرات التاريخية، حيث تم محو الأمية لسكان عدده 203 مليون نسمة، وغطى التعليم الإلزامي المجاني جميع المدن والقرى، وأصبحت الصين أكبر دولة من ناحية حجم التعليم العالي وعدد الطلاب في مراحل التعليم الابتدائية والثانوية والعالية. وأسست الصين بشكل مبدئي نظام الضمان الاجتماعي الذي يغطي جميع مواطنيها من المدن والقرى، وتتكامل الخدمة الصحية العامة ونظام الرعاية الطبية الأساسية باستمرار، وفي نهاية هذا العام، سيبلغ عدد المواطنين من المدن والقرى الذين يغطيهم التأمين الطبي 1.2 مليار نسمة.
وتعد الصين أسرة كبيرة تتكون من 56 قومية، كما تتعايش فيها الاعتقادات الدينية العديدة، وهناك 10 قوميات صينية عدد سكانها 23 مليون نسمة تؤمن بالإسلام، وحظي اعتقادها الديني وشعائرها الدينية بالاحترام والحماية القانونية التامة. وتوجد في الصين أكثر من 35 ألف مسجد ومنها 24 ألف مسجد تقع في منطقة شينجيانغ. وفي السنة الماضية نظمت الجمعية الإسلامية الصينية 12 ألف مسلم صيني للقيام بمناسك الحج إلى المملكة. وخلال الـ60 سنة الماضية، يرتفع النمو الاقتصادي ومستوى معيشة الشعب في المناطق القومية الصينية بدرجة كبيرة، فمثلاً في منطقة شينجيانغ، يزيد نمو إجمالي الناتج المحلي للمنطقة بمعدل 10.3% سنوياً، وبلغ 11% في عام 2008، وهو أعلى من متوسط معدلات النمو في الصين بنقطتين مئويتين. والحقائق تثبت على أن سياسة الصين القومية والدينية سياسة صحيحة وسليمة.
وفي نهاية القرن الماضي، نجحت الصين في استعادة ممارسة سيادتها على هونغ كونغ وماكاو في إطار الفكرة العظيمة المتمثلة في (دولة واحدة ونظامين). وخلال أكثر من 10 سنوات، أحرزت هونغ كونغ وماكاو مزيداً من الازدهار والتطور بدعم من الوطن الأم. إن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، وأن عودة تايوان إلى الوطن الأم وتحقيق الوحدة الوطنية الكاملة هي الرسالة التاريخية غير القابلة للزعزعة التي تتحملها الصين حكومة وشعباً. ونحن على ثقة تامة بتحقيق هذه الرسالة.
ومنذ الـ60سنة الماضية، تتمسك الصين بانتهاج السياسة الخارجية السلمية والمستقبلة، حيث حققت الصين الإنجازات المرموقة في أعمالها الدبلوماسية. وتم إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين و171 دولة في العالم على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. وتشارك الصين بنشاط في الشؤون الدولية المتعددة الأطراف وتتحمل المسؤولية الدولية الملائمة، وشاركت الصين في أكثر من 100 منظمة دولية عبر الحكومات ووقعت على أكثر من 300 معاهدة دولية حتى الآن، وأوفدت الصين أكبر عددٍ من أفراد حفظ السلام من بين الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن للأمم المتحدة.
وتطلعاً إلى المستقبل، ستواصل الصين بكل ثبات السير على طريق التنمية السلمية، وستواصل بكل ثبات انتهاج استراتيجية الانفتاح المتميزة بالمنفعة والمصلحة المتبادلة، وستواصل بكل ثبات دفع بناء عالم متناغم ومنعم بالسلم الدائم والرفاهية المشتركة. فإن الصين المستقرة والمزدهرة والمتقدمة ليست في صالح خير الشعب الصيني فحسب، بل تخدم مصالح شعوب العالم أيضاً.
لقد حققت المملكة العربية السعودية الإنجازات الباهرة في مختلف المجالات منذ تأسيسها قبل 79 عاماً، ولا سيما في السنوات الأخيرة، بفضل القيادة الحكيمة من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، يسود المملكة الاستقرار الاجتماعي، ويتمتع شعبها بالحياة السعيدة، واستفادت المملكة من عائدات النفط الغنية لتنفيذ عدد كبير من مشاريع البنية التحتية، الأمر الذي عاد بمزيد من الخير على الشعب، ودخلت المملكة إلى الجولة الجديدة من الطفرة الاقتصادية حيث أصبحت المملكة من الدول القليلة التي نجحت في مقاومة تداعيات الأزمة المالية الدولية وتحافظ على النمو المستقر لاقتصادها الوطني. كما قطعت المملكة شوطاً بعيداً في قضية التعليم، حيث أعد برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي عدداً كبيراً من الأكفاء المؤهلين، وتقدمت المملكة بخطوة راسخة إلى الأمام في مسيرة بناء المجتمع المعرفي بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وتعمل المملكة بنشاط على حفظ السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودفع إيجاد حلول منصفة للمشاكل الإقليمية، مما نال تقديراً واسعاً من المجتمع الدولي، ويتزايد ثقلها الدولي باستمرار. وإننا على الثقة التامة بأن مستقبل المملكة سيكون أجمل تحت القيادة الحكيمة من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عبد العزيز.
تعد العلاقات الصينية السعودية نموذجاً يقتدى به لعلاقات الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية، إذ شهدت علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات تطورا سريعاً منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1990م، حيث تتكثف الزيارات المتبادلة على المستوى الرفيع، وتتعمق الثقة السياسية المتبادلة باستمرار، وزار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (كان ولي العهد) الصين عام 1998م، وتم تبادل الزيارتين الناجحتين بين فخامة رئيس الصين هو جينتاو وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله خلال 3 أشهر في عام 2006م، وفي يونيو عام 2008م، زار نائب رئيس الصين شي جينبينغ المملكة. وفي فبراير الماضي، قام فخامة رئيس الصين هو جينتاو بزيارته الناجحة الثانية لمملكة خلال 3 سنوات. ودفعت هذه الزيارات العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد باستمرار، حيث ارتقت هذه العلاقات إلى علاقات الصداقة الاستراتيجية، ويعمل البلدان على التفعيل الكامل لمزايا التكامل الاقتصادي بينهما، وحقق التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة بين البلدين إنجازات مثمرة. وفي عام 2008م، بلغ حجم التبادل التجاري الثنائي 41.8 مليار دولار أمريكي، حيث تبقى المملكة أكبر شريك تجاري للصين في غربي آسيا وإفريقيا للسنوات ال8 المتتالية. كما استوردت الصين من المملكة أكثر من 36 مليون طن من النفط الخام، وتبقى المملكة أكبر دولة مصدرة للبترول إلى الصين في السنوات العديدة. وأحرز التعاون بين البلدين في مجالات التنقيب والصناعات البتروكيماوية والاتصالات والاستثمارات وبناء البنية التحتية وغيرها من المجالات تقدما جديداً باستمار، وخصوصاً في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، يعمل الجانبان الصيني السعودي على زيادة تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والتجارة، ومواصلة تكثيف التنسيق والتبادل في التعاون الدولي لمواجهة الأزمة المالية من أجل حماية المصالح المشتركة للدول النامية، وإضافة إلى ذلك يتعزز التعاون والتبادل بين البلدين في مجالات التعليم والثقافة والرياضة والإعلام وغيرها من المجالات يوماً بعد آخر.
في العام المقبل، سنحتفل بالذكرى السنوية الـ20 لإقامة الدبلوماسية بين الصين والمملكة. إننا إذ نشعر بالغبطة والسرور عند استعراض الإنجازات المشجعة الماضية، لنتطلع إلى المستقبل بالثقة التامة بأنه تحت الرعاية والدعم من قِبل قيادتي البلدين، ستتقدم علاقات الصداقة الاستراتيجية بين الصين والمملكة إلى مستوى جديد باستمرار، وستعود بمزيد من الخير على شعبي البلدين أيضاً.