وإن لم يكن حصراً عليهم، إلا أن الشعراء وحدهم دائما وأبدا في دائرة الاتهام بالتنبؤ للمستقبل من خلال إبداعهم، وقد نُسج حول هذا الموضوع كما يعلم الكثير العديد من القصص والأقاويل، وأسهب المحللون وراء هذه الخاصية، أو السمة التي تتعارض في بعض أدبياتها مع الإيمان بالغيبيات التي استأثر بها الخالق، لذا لم يكن بالغريب أن يحاكم بعض الشعراء على فلتات وجدانه، وخلجات شعوره.
|
* استشراف المستقبل، أو استقراء فصوله أُلهم بها بعض الأدباء، وتحقق بالفعل جزء من تنبؤاتهم، وليست قصيدة بل قصائد الشاعر الشعبي في (صدام حسين) وأركان حكومته إبان (أزمة الخليج) والأحداث اللاحقة لها ببعيدة عن الذاكرة.
|
* يهمني في هذه الوقفة، حديث الساعة، مشكلة هذا الوطن، مستقبل هذا المجتمع (الإرهاب.. والانحراف الفكري). هل استقرأ المبدعون المستقبل؟ وماذا كانت نتيجة هذا الاستقراء؟ من خلال قصيدة (إليك من الزلفي) التي نشرتها صحيفة (الجزيرة) للدكتور (عبدالعزيز الغزّي)، أو غيرها من النماذج الإبداعية له، والتي قارب عمرها (الثلاثون)، وهي حبيسة لديه، كما ذكر لي. بإيماءاته اللاذعة تجعل من القارئ، والناقد يلتفت أكثر من ذي قبل إلى تنبؤات الشعراء، ويرصد هواجسهم وخواطرهم، وصورهم الرامزة، ومصادر وحيها، ويشارك شركاؤهم في الاستراق، إن صحّ ذلك الاتهام.
|
* لقد استيقظ في شاعرنا حب هذا الوطن، وهو في ريعان شبابه، وحاصرته المخاوف والوساوس، واستراب من الحركيين، منذ حادثة (جهيمان) الشهيرة، وربما لم تسعفه وسائل إعلامه، أو لم يقوَ على الصدع بشفافية، لأسباب لا تخفى على من يمتلك موهبة التحليل للقصيدة. وأمام الخطب الكبير، ومحاولة الاعتداء على رمز الأمن (محمد بن نايف)، والمشاركة الوجدانية للشعراء كغيره من أبناء هذا الوطن، وهم يستنكرون، يقول أمام حدث جلل يخرج الإنسان عن طوره:
|
لك الله إني من عقود ثلاثةٍ |
أحاول كشف السر، والسرّ قابعُ |
ولم يستبن قومي حقيقة موقفي |
لعمرك حتى قام في الحيّ هائعُ |
من حقّه أن يستدرك، ويقول:
|
ولو أنّ قومي أنطقتني رماحهم |
نطقتُ، ولكنّ الرماحَ أجرّتِ |
* في مجتمع، وفي بيئة منغلقة ومسالمة آنذاك، تأخذها الغفلة عما يجري حولها ويحاك من مؤامرات، طبيعي ألا يؤبه بمثل هذه التنبؤات، ولم يكن من المستبعد أن تقابل هذه الأطروحات في مثل تلك الظروف بشيء من الرفض، والإنكار والتجاهل، هذا إذا لم تعدّ الحراب ضده كما ذكر.
|
* حقاً إن الأديب ليشعر بما لا يشعر به الآخرون، وهو يستقرئ الأكف، وخطوط الأيام، وبخاصة إذا كان حاد البصيرة، ينظر إلى المستقبل من خلال التاريخ بأزمنته الثلاثة، الماضي، والحاضر، والمستقبل، ويحلّق بأجنحة من الخيال تفضي عن الإحساس بالحدث قبل وقوعه. بهاجس أهل المدينة، وأهل القرية التي نالها كغيرها شرّ هذه الفئات، حتى لفظتهم، وتبرأت منهم، يقول:
|
إليك من (الزلفي) بواعث نشرها |
يحفّ بها نورٌ من الحقّ ساطعُ |
|