حتى الآن لم يتخذ الرئيس قراراً بالنسبة لمسألة تعزيز الوجود العسكري في أفغانستان، وآخر تصريح له يقول ما مفاده أنه فيما يتعلق (بالموارد) التي سوف يتم تعزيزها (يقصد العتاد العسكري، رجالاً ومستلزمات) سوف يقرر فيه لاحقاً، علماً أن آخر قرار له بعد توليه السلطة تمثل في إرسال 20 ألف من الجنود.
السؤال المطروح في وسائل الإعلام والأوساط السياسية الأمريكية: ماذا عسى أن تفعله إدارة أوباما: المزيد من التعمق أو التراجع والعودة للوطن؟ سؤال تواجهه أمريكا، ويبدو أن الإجابة عليه تشكل صعوبة ومأزقاً: وضع الحكومة الأفغانية، ليس بالمشجع، حتى بعد أن حصل كرزاي على 54 في المائة من الأصوات، فهناك اتهام بالتلاعب في عملية الانتخابات، التي أقل ما يقال عنها، وفقاً لتصريح عبدالله عبدالله المنافس لكرزاي، أنها غير نزيهة، والذي يذكر: (أنه لا يمكن الاعتماد على حكومة مبنية على انتخابات مزورة).
قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، ماك كرستال، يطلب المزيد من تعزيز الوجود العسكري هناك وذلك بإرسال 20 ألف من الجنود. أما السناتور الأمريكي، من ولاية ويسكنسن، فين جولد فينصح أوباما قائلاً: (لقد حان الوقت ليعود الجنود إلى الوطن).. هناك المتشائمون من تراكم القوات، التي يحتمل إرسالها (68 ألف وقد يصل المجموع إلى 100 ألف بما في ذلك قوات التحالف من الناتو). ومن يرى تعزيز الوجود العسكري يتبنى الرأي الذي يقول: لابد من الوصول إلى حالة أمنية لتصل الرسالة، ليس في أفغانستان بل في الإقليم أن الغزاة جادون، و(لوردات الحرب) في المنطقة في حاجة إلى أن تصلهم رسالة مثل هذه.
أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن وولت فيذكر أن العدد المطلوب لتعزيز الوضع العسكري، ومن ثم تحقيق (النصر)، غير معروف ومختلف عليه، ويرسم صورة متشائمة، ذاكراً أن الحملة العسكرية الأمريكية لم تنجح ضد طالبان من ثماني سنوات، ويشكك في نجاحها حتى لو استمرت عقداً آخر. ويدعو البروفيسور إلى اتخاذ قرار، بين الاستمرار أو الانسحاب، في ضوء حساب الخسائر والمنافع، وليس زيادة في إرسال الجنود ومن ثم زيادة في التورط وطول المكث.
يبدو أن الصقور يدعون إلى المزيد من القوات، وفي مقدمتهم وزير الدفاع روبرت جيت، الذي يتوقع تحول الوضع لصالح الأمريكان خلال 12 إلى 18 شهرا وقائد القوات في أفغانستان ماك كرستال، الذي يقول إننا نعرف كيف ننجز المهمة. وأفغانستان يختلف جنوبها مقارنة بشمالها: جنوبها خارج السيطرة وارتفاع في عدد القتلى من المدنيين وعدم استقرار بشكل عام. وهنالك نظرة تشاؤمية ملحوظة داخل الإدارة الأمريكية، إذ يشعر بعضهم بصعوبة المهمة. هنالك في أفغانستان 32 مليوناً من السكان منقسمين إلى 5 مجموعات من القبائل في الأقل، وهناك فساد متفش داخل الحكومة، وطال ذلك الفساد الانتخابات التي لن ينتج عنها حكومة شرعية، وهنالك تكاليف الحرب التي تتراوح ما بين 60-70 بليون دولار سنوياً، أضف إلى ذلك صرعى الحرب في صفوف الأمريكيين: 45 و50 في شهري يوليه وأغسطس الماضيين على التوالي.
الأمريكان في حاجة إلى طمأنتهم بشأن طالبان في حالة انسحابهم من أفغانستان إذ قد لا يحققوا الفوز على جميع أجزاء البلاد، ولو فازوا من المستبعد أن يساندوا القاعدة، إضافة لكونها لا تتواجد في أفغانستان كما كانت بل لها أوكار آمنة في باكستان وفي الصومال وفي اليمن. أما المواطن الأمريكي فينصح أوباما بالخروج إذ قد يكون المكوث طويلاً والخسائر عظيمة بشرياً ومادياً وبلادهم في حاجة إلى الأموال التي تصرف على آلة الحرب. وطرحنا يقول إن هنالك 200 مليوناً من البشر في أفغانستان وباكستان يستحقون أن يتركوا لوحدهم ليتدبروا أمورهم ومن خلفهم عواطف وشعور مئات الملايين من المسلمين في أنحاء المعمورة. أمام أوباما قرار كبير يتمثل في إقناع شعبه بأن سابقيه حاولوا ولسنوات لتحقيق أهدافاً ما ولكنهم لم ينجحوا في حرب لم تكن ضرورية بادئ الأمر وحان الوقت للتراجع عنها، وليس في حاجة أن يحفظ ماء وجهه إذ لم يكن متسبباً في إشعال فتيل هذه الحرب.
المستغرب أن أوباما لديه رأي عن المنطقة وأستغرب منه الأخذ برأي العسكريين، إنه من الخطأ زيادة القوات وآن له أن يسمع رأي السياسيين، العالم ممتعض من مواقف أمريكا في عهد الإدارة الأمريكية ولأكثر من ثماني سنوات. وهناك العديد ممن يرى أن الوجود الأمريكي في أفغانستان لا يساعد على هزيمة القاعدة. من الضروري أن يقنع الرئيس الأمريكي بأن هذه الطريقة ليست صحيحة، على الرغم من أن هناك من يوجه في إدارته بزيادة القوة. أما لو استمع للناس وآراء من وسط حزبه الديموقراطي فسيعرف أن الإستراتيجية الحالية لا تعمل، ولن تنجح إستراتيجية جديدة غير المعمول بها والتي تتخلص في المزيد من القوات.
والخوف أن تصبح أفغانستان بالنسبة لأوباما حرباً فيتنامية ثانية ومن ثم تعصف به سياسياً، وما يدريك أن في النفوس أشياء بالنسبة لذلك الرجل المتبختر في البيت الأبيض. وبعبارة أكثر وضوحاً: هل هناك من يحاول توريطه فيها ليحول بينه وبين تحقيق فترة ثانية في المكتب البيضاوي؟.