Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/09/2009 G Issue 13515
الثلاثاء 10 شوال 1430   العدد  13515
الحبر الأخضر
الجامعات الناشئة وقيود الصرف المالي (الضابطة والضاغطة)
عثمان بن صالح العامر

 

الدراسات العلمية هي الأرضية الصحيحة التي يجب أن تقوم عليها قراراتنا سواء المجتمعية أو الشخصية، الآنية والمستقبلية، ومن الدراسات التي لفتت نظري وتستحق الوقوف عنده والتأمل فيما وصلت إليه من نتائج خاصة من قبل أصحاب القرار والهيئات الاستشارية واللجان المتخصصة في مجلس الشورى والوزارات المعنية والباحثين المتخصصين دراسة علمية أعدها الباحث Sara Hebel عنوانها (تمويل التعليم الجامعي في ولاية كلورادو)، وسر إعجابي بها والكتابة عنها ليس لأنها دراسة أجنبية نسبة المصداقية فيها مرتفعة مقارنة بالدراسات العربية المماثلة، ولا لكونه دراسة حديثة فقط، ولا حتى لعلاقتها المباشرة بالإنفاق على التعليم -الموضوع الأهم في عالم اليوم- ولكن لصلتها الوطيدة بإشكالية ساخنة ومعقدة أراه أمام عيني كل يوم، وتعاني منها كما أسمع كثيراً من جامعاتنا السعودية خاصة الجامعات الناشئة وفي هذا الزمن بالذات -عصر العلم الذهبي في المملكة العربية السعودية- ألا وهي إشكالية (قيود الإنفاق النظامية على المخصصات المالية) والتي تسنها غالباً وزارة المالية، وتتابع تطبيقها الجهات الرقابية المختلفة، وقد هدفت هذه الدراسة - محل الحديث- إلى التعرف على واقع تمويل التعليم في هذه الولاية الأمريكية بالذات، وعلى وجه الخصوص في الجامعات والكليات الحكومية، واجتهد الباحث في وضع نظام للتمويل يعمل على تقليل الميزانيات المخصصة لهذه المؤسسات، ومن أهم التوصيات التي خرج بها في نهاية رسالته (ضرورة إعطاء المسؤولين عن الجامعات في الولاية المزيد من المرونة في التصرف بالأموال المخصصة لها، الأمر الذي يؤدي إلى توظيفها غالباً بطريقة أكثر فاعلية وإيجابية ومن ثم تقلل الميزانيات بشكل تدريجي، إذ إنه تركت مساحة واسعة من الحرية للمسؤولين في الجامعة للتحرك فيما يخصص لهم من أموال سواء في الصرف أو الاستثمار أو في ترحيل الفائض للسنوات المقبلة يساعد -كما يقول الباحث- على خفض الميزانيات ويؤدي إلى زيادة قدرة مؤسسات التعليم العالي في الولاية على ترشيد الإنفاق، وتقديم تعليم جامعي على نحو أفضل للطلاب في الولاية). بصدق كنت أعتقد أن مشكلة قيود الإنفاق من المخصصات المالية، وآليات الصرف، وضوابط الامتلاك، وإيجار الدور، ونظام المشتريات الحكومية، كلها إشكاليات خاصة بدول العالم الثالث وعلى وجه الخصوص في البلاد العربية، حيث الفساد الإداري والمالي المستشري والمعروف، والذي كتب عنه الكثير، وشهدت عليه صناديق الضمائر الحية لأولئك الذين استفاقت ضمائرهم بعد حين، الأمر الذي اضطر الحكومات لوضع قيود مشددة على صرف المخصصات المالية لكل قطاع حتى ولو كان على الرأس من نثق به في صناعة الإنسان وتربيته وتعليمه وبناء عقله، طبعاً أعلم أن القيود ليست واحدة وتختلف باختلاف المكان والزمان والإنسان فهي عندنا جزماً أشد بكثير مما في أمريكا، ولكن مجرد الشعور من قبل الباحث بأن هناك مشكلة تستحق الدراسة دليل على أنها من الظواهر التي تقلق المنفذين حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، ولو أراد أي منا أن يسبر أغوار مجتمعنا الإداري لوجد أن جميع مديري القطاعات التنموية خاصة من هم في الإدارات الوسطى بل حتى بعض أصحاب المعالي الوزراء يشتكون من عقم النظام ووقوفه في خانة الضد!!، والمسئول الحريص على مسابقة الزمن، والاستفادة من المخصصات المالية الاستفادة القصوى وفي المسار الذي يرى أن الحاجة فيه أشد وأكثر، وإنهاء البنود على الوجه الصحيح قبل نهاية العام المالي، والمتطلع إلى ترسية المناقصات على من يتوخى منه الإنجاز السريع والمتقن، و... هذا المسؤول في حالات كثيرة قد يضطر إلى تجاوز النظام بشكل فج يحاسب عليه متى ما تعقبه أحد بشكوى خطية سرية أو بكتابة صحفية علنية، ويعتقد كل من حول هذا المسؤول الذي هذه سمته سواء من العاملين معه أو المواطنين الذين يرقبون من بعيد أنه رجل شجاع مقدام ولا يهمه المنصب والكرسي، أو أنه مدعوم من فوق، أو أنه متهور لا يفكر بالعواقب وسيأتي اليوم الذي يتردد عليه مندوب ديوان المراقبة العامة ليكشف التجاوزات التي هي حقيقة لم تخرج في إطارها العام عن الاجتهاد في توخي المصلحة العامة للكيان الذي يشرف بتسنم كرسي القيادة فيه، والتي غالباً يراها - المصلحة العامة- من هو في الميدان بصورة أدق وأشمل من أولئك الذين ينظرون ويخططون وهم في مكان قصي، وقد تكون الصورة الواقعية بعيدة عنهم أو غير واضحة المعالم بالشكل المطلوب، إذ إن الأولويات الإنفاقية تختلف من جامعة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر كما أن المؤسسات سواء المنفذة أو الموردة تختلف هي الأخرى جودة وقوة وإنجازاً، ولذا يختلف السعر وتتباين المواصفات وغالباً صاحب السعر الأدنى ليس هو الأفضل ولا الأقوى!!، نعم قد يكون هناك من ضعاف النفوس من يستغل منصبه ويوظف مصطلح المصلحة العامة لمصالحه الشخصية، وهذا إن وجد فهو سيصل إلى مبتاغه حتى في ظل القيود الحالية بل ربما تكون هي من يحمية ولذا سيان في ميزانه (القيود أو الحرية) وحق من هذا ديدنه المحاكمة والتشهير فحرمة المال العام معلومة من الدين بالضرورة، إن المتضرر الوحيد من هذه القيود من يريد أن يعمل ولكنه يخشى المحاسبة ومن ثم العتاب، ولعل وجود مثل هذه الدراسة العلمية الرصينة يقوم بها أحد الباحثين المختصين في إحدى الجامعات السعودية تصل إلى نتائج فعلية وحلول جذرية يتحقق معها مرونة أكثر في الصرف، وتعديل أوسع في نظام المشتريات فالنظام الجديد الذي صدر يحتاج هو الأخر إلى تقويم ومراجعة في نظري ومثله الآلية المتبعة في إيجار الدور وإتمام المناقصات.. وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد