كانت الرحلة من الطائف إلى مكَّة ماتعة كل الإمتاع، مفعمة بالشوق إلى البيت الحرام، والتَّوْق إلى رؤية الكعبة المشرَّفة، وكان طريق الهدا الذي يشكِّل لوحةً جميلةً من الإنجاز هو بداية الإحساس بقرب تلك البقاع الطاهرة التي تهفو إليها قلوب المسلمين في كل مكان.
|
ولم يكن طريق الهدا هو اللوحة الجميلة الوحيدة التي استمتعنا برؤيتها، بل إنَّ (جامعة أم القرى) ترسم على يسار المتجه إلى مكة من الطائف لوحة أخرى لها بهاؤها وجمالها، ولها رونقها العلمي البديع، رحلةٌ قصيرة بمقياس الزمن، قصَّرتها هذه الوسائل الحديثة التي منَّ الله بها على الناس في هذا الزمن، وسائل النقل المتطورة، والطرقات الفسيحة التي طوَّعت صعوبات الجبال، ووطَّأت أكناف الصخور.
|
مكة المكرمة عمق تاريخي وروحي بعيد المدى في أغوار نفوسنا، وأعماق قلوبنا، والمشاعر المقدَّسة واحةٌ مورقة بذكريات ملايين المسلمين الذين يتوافدون إليها منذ آلاف السنين، ومكة المكرمة - اليوم - ميدان لخدمات جليلة، ومشروعات كبيرة، وتطوير هائل في طرقها وأنفاقها، ومبانيها، وتوسعة لساحات الحرم الشريف فيها حتى أصبحت معلماً بارزاً تشير إليه الدنيا كلُّها ببنان الإعجاب والتقدير.
|
هذا ما يشعر به كل من يرى الجهود المبذولة في هذا البلد الطيَّب. حينما بدأنا في السير إلى باب الملك عبدالعزيز لندخل إلى صحن المطاف المبارك، بدأت معاناة الزِّحام الشديد، وتباطأ السير بين تلك الآلاف المؤلَّفة من السائرين، والراكضين، والنائمين، والجالسين والمصلِّين، حتى شعرنا بأنَّ الوصول إلى باب الملك عبدالعزيز أصبح بعيد المنال، مع كونه قريب المكان، ويا لها من لوحةٍ لا يمكن أن يكون لها نظير أبداً في أي موقع على وجه الأرض، ألوان وأجناس ولغات مختلفة، كلَّها تتجه إلى مكان واحد، لهدفٍ واحد، أداءً لعبادة واحدة؛ يرتفع صوت الأذان فيشعر كل واحدٍ من هذه الجموع الغفيرة بأنَّ هذا النداء يعنيه هو بنفسه، وتُقام الصلاة، فتتجه الوجوه كلُّها تلقائياً دون أوامر من أحد إلى القبلة لأداء الصلاة، نظام عجيب لا يحتاج إلى فرق متابعة تنظمه وترتبه (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ).
|
وحينما تنتهي الصلاة تبدأ الحركة دخولاً إلى المسجد الحرام للطواف والسعي وخروجاً منها، ويحدث التدافع، بل التصادم بسبب الزِّحام، وحينما ينادي المؤذن بالصلاة على الأموات، تتوقف الحركة تلقائياً وتتجه الوجوه إلى القبلة لأداء الصلاة على الأموات، استجابة فورية لا تكلُّف فيها ولا عناء.
|
أما المسعى المبارك، فما أجمله وما أفسحه، وما أسلس الحركة فيه، لقد كانت توسعته عملاً جليلاً أسأل الله ألا يحرم خادم الحرمين الملك عبدالله من أجره، فقد كانت خطوة طيبة خففت عن الناس عبء ذلك التزاحم الذي كان يحدث في المسعى وعند المروة والصَّفا. جهود جليلة لا تخفى على من يزور تلك البقاع الطاهرة، ولأننا بشر لا يمكن أن تخلوا أعمالنا من ثغرات فإنَّ هنالك ملحوظات هي جزءٌ من مشاهدات هذا المعتمر الطامع في فضل الله ورحمته، وهي هدية مقدَّمة - مع الحب - إلى إمارة وأمانة مكة وإلى رئاسة الحرمين الشريفين المباركة.
|
1- حينما تجاوزت (مستشفى النور) انبعثت روائح مزعجة عجبت لها، كيف انبعثت ومن أين جاءت، ولما سألت أخبروني أن هنالك مساحة مكشوفة من المجاري هي مصدر هذه الروائح، وقالوا إنَّ لها فترةً ليست بالقصيرة وهي على هذه الحالة، وأقول: ليت الأمانة تسارع إلى معالجة هذه الحالة لما فيها من الأذى للناس، ولأنَّها من الأشياء السلبية التي تسيء إلى الصورة المشرقة.
|
2- شعرت كما شعر آلاف الساعين بين الصفا والمروة بحرارة الجو وضعف التكييف بصورة واضحة يؤكدها العرق الكثيف الذي يلفت النظر والتضايق الشديد الذي يبدو على وجوه الناس، وقد علمت أن مشروع تكييف المسعى لم يكتمل بعد فعرفت السبب.
|
3- الأنفاق المجاورة للحرم، المؤدية للسلالم التي تؤدي إلى ساحات الحرم تشهد اختناقاً مرورياً هائلاً، وتشكل الأصوات العالية جداً لمراوح الشفط الموجودة فيها إزعاجاً مربكاً، وما أظنّ إيجاد حلول لمشكلة هذه الأنفاق صعباً في ظلِّ هذه العناية الكبيرة بتطوير الخدمات في مكة المكرمة.
|
4- مواقف السيارات تحتاج إلى إعادة نظر، فهي مهمة جداً، ولا تتناسب المواقف القليلة (النادرة) الموجودة مع هذه المشروعات العملاقة، كما أن مبلغ ثلاثين ريالاً أو عشرين أو خمسة عشر للساعة الواحدة في بعض المواقف القريبة من الحرم يُعَدُّ مبلغاً باهظاً ثقيلاً على أكثر الناس.
|
ملحوظات صغيرة - ولكنَّها مهمّة -، وإنجازات كبيرة جداً تستحق التقدير والإعجاب.
|
|
وما خاب من بالله يحزم أمره |
ولا ضَلَّ من رام الحقيقة واهتدى |
|