لقد سُرِقَت الانتخابات في إيران، وأثارت الجدال في أفغانستان، واتخذت هيئة كاريكاتورية في الجابون: والواقع أنّ الانتخابات التي جرت مؤخراً في هذه البلدان والعديد من البلدان الأخرى لا تؤذن بالتقدم العالمي للديمقراطية، كما يتبين لنا من غياب حكم القانون.
لا شك أنّ الانتخابات التي تفضي إلى نتائج غير ليبرالية، بل وحتى إلى تمكين الاستبداد، لا تشكل ظاهرة جديدة. فقد وصل هتلر إلى السلطة في ألمانيا في عام 1933 من خلال انتخابات حرة نزيهة وتنافسية .. فضلاً عن ذلك فإنّ الانتخابات المثيرة للمشاكل تشكل تحدياً خاصاً للغرب، الذي يحمل لواء الديمقراطية العالمية ولكنه في الوقت نفسه يعتبر الجاني الذي ارتكب جرائم الماضي الاستعمارية التي قوّضت قدرة رسالة الديمقراطية على الإقناع وتحقيق المنفعة الحقيقية.
على سبيل المثال، في مقال شهير كتبه في عام 2004 المؤلف الهندي المولد فريد زكريا، يصف لنا خطورة ما أسماه (الديمقراطية غير الليبرالية). ويرى زكريا أنّ أمريكا اضطرت إلى دعم زعيم معتدل مثل الجنرال برويز مشرف في باكستان، رغم أنه لم يصل إلى السلطة عن طريق الانتخاب. وفي المقابل كما يزعم زكريا، فقد كان من الواجب معارضة الرئيس الشعوبي الفنزويلي هوجو شافيز، رغم وصوله إلى السلطة في ظل انتخابات شرعية.
ما هي الدروس التي يتعيّن علينا أن نستخلصها إذن من الطبيعة الفوضوية الحتمية للعملية الانتخابية في بلدان، حيث لا وجود للطبقة المتوسطة تقريباً، أو حيث توجد طبقة متوسطة بدائية، وحيث الثقافة الديمقراطية ما تزال في مهدها على أفضل تقدير؟لقد حان الوقت كي يبدأ الغرب في إعادة تقييم سياساته على نحو جوهري. وهو بطبيعة الحال لا يستطيع أن يتحول من تبنّي (سياسة نشطة) إلى تبنّي سياسة الامتناع عن التدخل بين عشية وضحاها. ذلك أنّ رفض العمل يشكل أيضاً خياراً سياسياً.لا شك أنّ إغراءات الركون إلى العزلة هائلة، ومن المحتم أن تتزايد هذه الإغراءات بمرور الأشهر والأعوام القادمة. ولكن الغرب لا يملك الحق الأخلاقي ولا الإمكانية الاستراتيجية للانسحاب إلى (برجه العاجي)، وهو ما لا وجود له في أغلب الأحوال. فمن المستحيل على سبيل المثال أن نقول للأفغان: (لقد خيبتم رجاءنا إلى حد كبير، لذا فيتعيّن عليكم من الآن فصاعداً أن تنظفوا ما أحدثتموه من فوضى). ذلك أنّ المصالح الغربية الجوهرية في أفغانستان، والجابون، وإيران، وباكستان، وفي أماكن أخرى من العالم، أصبحت على المحك.
في أفغانستان يتمثل الخطر في احتمالات إعادة بناء ملاذ آمن للإرهابيين. والخطر في إيران يكمن في احتمالات نجاح نظام متزايد العدائية في الحصول على أسلحة نووية. وفي الجابون فإنّ الأولوية بالنسبة لفرنسا تتمثل في تجاوز النزعة الاستعمارية الجديدة من دون خسارة ارتباطاتها المهمة بدولة أفريقية غنية بالنفط.
ولكن في ملاحقته لهذه الأهداف الصعبة، يتعيّن على الغرب أن يعمل على تصويب طموحاته وأساليبه. فالديمقراطية هدف مشروع، ولكنه هدف بعيد الأمد. وفي الأمد المتوسط يشكّل غياب حكم القانون المشكلة الأشد خطورة بالنسبة للبلدان المعنية.
على سبيل المثال، أذاع التلفاز الفرنسي مؤخراً تقريراً مروعاً عن هايتي، حيث ذهب قاض محلي، من دون تكليف نفسه عناء إخفاء أفعاله، إلى حد حماية تاجر مخدرات ينتمي إلى قوة مكافحة المخدرات التي تلقّت تدريبها على أيدي الفرنسيين. إنّ الفساد ينخر المجتمع من الداخل، فيدمر ثقة المواطنين في المستقبل القائم على شعور مشترك بالصالح العام.
والواقع أن قبول الغرب للفساد سواء كان ذلك صريحاً أو ضمنياً هو الذي يجعله شريكاً متواطئاً مع العديد من الأنظمة الشائنة، ويجعل اعتناقه للمبادئ الديمقراطية يبدو وكأنه نفاق بحت أو تناقض واضح. ومن ناحية أخرى فإنّ وضع معايير مرتفعة أكثر مما ينبغي لحكم القانون، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية. والحقيقة أنّ حلم إقامة دولة يحكمها حزب واحد غير قابل للفساد وعازم على تحديث المجتمع وتطويره، على غرار ما يحدث في سنغافورة، ربما يشكل هدفاً بالغ الطموح بالنسبة لأغلب النظم غير الديمقراطية.
إن المسافة التي تفصل بين الغرب والبلدان التي تعتمد على الانتخابات الصورية ليست جغرافية أو دينية أو ثقافية فحسب؛ بل إنها ترتبط أيضاً بالترتيب الزمني. فالزمن في هذه البلدان ليس، أو لم يكن قط، أو لم يعد مماثلاً للزمن في الغرب. ولكن كيف لنا إذن أن نفهم ظروف هذه البلدان من دون إصدار الأحكام عليها، أو أن نساعدها من دون اللجوء إلى الأساليب الأبوية المهينة، أو الأسوأ من ذلك، من دون التسبب في (أضرار جانبية) غير مقبولة، كما هي الحال في أفغانستان؟
إن مكانة الغرب في عالم الغد سوف تعتمد إلى حد كبير على الكيفية التي يجيب بها على هذا السؤال. والواقع أنه لم يعد بوسعه أن يتمتع بترف تجاهل هذه القضية بعد الآن.
خاص «الجزيرة»
* دومينيك مويزي - أستاذ زائر يتولى تدريس العلوم الحكومية بجامعة هارفارد