Al Jazirah NewsPaper Monday  14/09/2009 G Issue 134500
الأثنين 24 رمضان 1430   العدد  134500
لما هو آت
... كأنتم تماماً...
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

في مدرسة رمضان ترهف جوارحكم.. وينبسط لكم في هدوء مسرى لحظاته، وسكينتها,...

تفاصيل يا صغاري لا تتاح لمثل هذا الانتباه في زحمة الأيام الأخر، والإنسان فيها إن لم يفرغ لروحه, فإن نفسه الميالة للحياة ومعاشها تسلبه لحظات نقية, كما لحظات رمضان؛ ذلك لأن هذه المدرسة العظيمة لا تفضي بدروسها، وتشرع منافذ أبوابها على معراجيها إلا فيه.., بحيث تعرفون ما تجهلون، وتدركون ما تغفلون عنه، وتلمسون ما تعجز جوارحكم عن مساسه، وتشعرون بما يشعر به غيركم فيه وفي غيره، وبمعنى أوسع ودلالة أكثر دقة، فإن الدروس ذاتها التي تتلقونها في غير رمضان, لن تنفرج لكم تفاصيلها وخباياها, ويتاح لكم تلامس خبراتها, كما يحدث في رمضان.

ولعل من أهم الدروس أن تتلفتوا بوعي للثلة التي تعمل في خدمتكم من النساء داخل بيوتكم، أو الرجال عند مقاود عرباتكم، أو من يزرعون حدائقكم، ويحرسون أبوابكم، فلئن كان عليكم العطف عليهم، والإحسان إليهم، وتقدير جهدهم، والإسراع في مكافأتهم، والاهتمام بمشكلاتهم, واحتياجاتهم، وتسديد الدين إليهم، ومؤاخاتهم، والتخفيف عن الإثقال عليهم، ومجالستهم، ومحادثتهم، والترويح عنهم، والدعاء لهم، بل تعليمهم وتهذيبهم وتوجيههم بالحسنى لما لا يعلمون أو يعوون, فإن في رمضان تكون المسؤولية عنهم مضاعفة.. فحين تنامون هم يخدمون، وعندما تأكلون هم يباشرون، وحين تتعبدون هم يعملون في خدمتكم،.. فما السؤال الذي عليكم أن تزرعوه في ألسنتكم؟ وما الإجابة التي عليكم استظهارها في جوفكم، ومن ثم ترجمتها في سلوككم..؟

السؤال أبنائي: أين نحن منهم وهم منا حين نقف بين يدي الله..؟ والله تعالى جعل الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي ولا أعجمي, ولا أسود ولا أبيض، ولا عظيم ولا وضيع، ولا فقير ولا ثري، ولا خادم ولا رئيس، إلا بالتقوى، إلا بقلب سليم يأتي لربه وقد أعطى كل ذي حق حقه، لا تمايز في مساواة الله بين خلقه؛ فالراعي مسؤول عمن يرعى، وأنتم في بيوتكم رعاة مسؤولون، وأول مسؤوليتكم لابد أن تتصدر لهذه الفئة... ففي مدرسة رمضان ستدركون لماذا نصحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعطاء الأجير أجره قبل جفاف عرقه، ولماذا طلب إليكم ألا تثقلوا عليه بعملين في آن، ولماذا حثكم على حسن التعامل معه بمداعبته ومجالسته ومؤاكلته،...

وستعون ما قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - بأنه لم يسمع كلمة (لمَ فعلت أو لم تفعل؟) منه - صلى الله عليه وسلم - طيلة سنوات مرافقته له.

وحين تستقر الإجابة في نفوسكم بأن مَن يخدمكم قد يسبقكم للجنة صبراً وكفاحاً وإخلاصاً في عمله، وعطاءً لا محدوداً.. وبأنه سيذهب بالأجر عمن يكون من رعاته في دعة.. فإنكم ستنهضون مجللين بالخشية عن فصول هذه المدرسة، وستبدأون الحراثة والزرع في أرض قريبة من أرنبة أنوفكم لكم.. هم هذه الثلة، سواء كانت امرأة واحدة، أو رجلاً واحداً في خدمتكم, أو كانوا أكثر من ذلك عدداً...

فالله الله بهم, أتيحوا لأنفسكم التطهر.., بأن تتيحوا لهم فرصة العبادة في رمضان وفي غيره, وإن لم تفعلوا بإشغالهم بكم؛ فافعلوا تكفيراً لما سبق, واسألوا الله أن يشركهم في كل عمل صالح تؤدونه, وفي كل عبادة نافلة تحتسبونها..

لعل كفين في كل منهم ترتفعان بالدعاء لكم، ذلك أجدى من أن يبيتوا وغصة في قلوبهم، ورهق في أجسادهم، ودموع على خدودهم...

ذلك اليوم الذي لا أنساب ولا أشكال فيه.. إلا العمل.. فبأي عمل ستودعون شهر مدرستكم هذه..؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد