المدينة المنورة - مروان قصاص
من المعالم التي تلفت نظر الزائر للمسجد النبوي الشريف، منذ عهد بعيد، وإلى الآن الكتاتيب التي تعتبر أحد المنابع العلمية التي استفاد منها ولا يزال الكثيرون من طلبة العمل. وتضم الكتاتيب حلقات حفظ القرآن الكريم، قراءة وكتابة وتلقي مبادئ الدين الإسلامي واللغة العربية وبعض العلوم الأخرى. ويدير الكتاب معلم يطلق عليه عدة أسماء، منها: المعلم والمؤدب والفقيه والملا.
ولا يقتصر دور المؤدب على تعليم الأطفال القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وغيرها بل يحرص على تنشئتهم النشأة الصالحة ويغرس في نفوسهم الأخلاق الحميدة والمبادئ الفاضلة.
وتناول مؤرخون كثر ودارسون مهمة الكتاتيب، ومنهم علي بن موسى في كتابه (وصف المدينة عام 1303ه) حيث ذكر أن في المسجد النبوي الشريف اثني عشر كُتّاباً للقراءة وواحداً لتعليم اللغة الفارسية ومكانها في الجهة الشمالية من المسجد بجوار باب المجيدي. وذكر إبراهيم رفعت باشا في كتابه (مرآة الحرمين) أنه شاهد عام 1318ه - 1891م في الجهة الشرقية من المسجد النبوي كُتّاباً ذا طابقين أرضي وعلوي يتعلم فيه الصبيان القرآن الكريم ومبادئ العلوم الأولية.
وذكر الشيخ جعفر فقيه في حديثه عن التعليم في المدينة في بداية القرن العشرين وبحدود عام 1325هـ أن عدد الكتاتيب في المسجد النبوي كان ستة كتاتيب. وذكر ناجي الأنصاري في كتابه (التعليم في المدينة المنورة) أن عدد الكتاتيب في عام 1349هـ ثلاثة كتاتيب أميرية في داخل المسجد النبوي الشريف ومجموع التلاميذ بها (125) تلميذاً وعدد المعلمين فيها (6) معلمين، وكان شيخ كل كتّاب من هذه الكتاتيب يتقاضى معاشاً من الخزينة النبوية مقداره مائتا قرش عثماني والعريف يتقاضى مائة قرش عثماني.
كما ذكر عثمان حافظ في كتابه (صور وذكريات) أن عدد الكتاتيب في المسجد النبوي الشريف في عام 1333هـ - 1914م كان (8) كتاتيب وموقعها في الجهة الشمالية من المسجد وقد تعطلت بسبب الحرب العالمية الأولى.
وقد بقيت هذه الكتاتيب تؤدي رسالتها التعليمية والتربوية في حدود إمكانياتها المادية والفنية والبشرية، وفي ظل وظيفتها الدينية، ومع بداية العهد السعودي عام 1344ه أولتها الحكومة السعودية عنايتها والإشراف عليها وتوجيه المعلمين فيها وتخصيص الرواتب لهم وتعليمهم طرق التدريس الحديثة ومتابعة الالتزام بذلك. ومنذ عام 1373ه أخذت هذه الكتاتيب سواء داخل المسجد النبوي أو في المدينة تتلاشى شيئاً فشيئاً بعدما أخذت المدارس النظامية الحكومية والروضات الأهلية تزحف عليها وتحتل مكانتها، ولم يبق من هذه الكتاتيب في المسجد إلا حلقات لتعليم القرآن الكريم وحلقات أخرى لدروس العلم حيث بلغ عدد حلقات تعليم القرآن الكريم للصغار عند تاريخ إعداد هذه المعلومة (1430ه) إلى أكثر من (40) حلقة يتعلم فيها أكثر من (1200) تلميذ.