Al Jazirah NewsPaper Monday  14/09/2009 G Issue 134500
الأثنين 24 رمضان 1430   العدد  134500
نهارات أخرى
الخطاب الديني والتدبر بالإنابة!
فاطمة العتيبي

 

في حديث متفق عليه أورده البخاري في صحيحه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء, ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد).

لو كتب لمعلم قبل سنوات أن يشرح هذا الحديث لتلاميذه لقال إن المقصود هو أن المنافق معافى, له الدنيا وملذاتها, والمؤمن مبتلى, له الآخرة فالدنيا سجن المؤمن!, مما يجعل تلاميذه يفرحون ببؤسهم ويستسلمون لعوزهم وعجزهم.

حتى ظهر بيننا من لا يتطبب بحجة أن البحث عن الشفاء هو دفع لما كتبه الله وهو يتضمن اعتراضاً على المشيئة الإلهية, كما أن ذلك المعنى سيدفع إلى النظر لكل معافى موفور الصحة والمال على أنه منافق, فالدنيا لا تميل عليه!!

إنني متفائلة بتحسن الحال في الخطاب الديني، فبعد تفاقم التشدد والمغالاة التي أوجدت البنية التحتية الراعية للإرهاب, فإن ثمة مرونة صارت ظاهرة للعيان في خطاب العبيكان والعودة والقرني والمطلق, وهم دعاة وعلماء مهمون جداً في مجالاتهم، ويعول عليهم في تجديد الخطاب الإسلامي!

ثمة كثيرون لا تغيب عنهم مقاصد هذا الحديث الشريف المهم الذي ينطوي على حقيقة جوهر النفس البشرية والتي جاء الإسلام ليكفل لها حياة حرة متسامحة ميسرة, لا تغلق الأبواب بل تجعل الصدق بوابة يؤمها الإنسان, ومتى ما اكتشف أنه مال نحو البوابة الخطأ عاد واستقام في طريقه!

أما المنافق غير الصدوق مع نفسه ومع من حوله فهو صامد لا يهتز لأنه لا يبحث عن الصدق والحقيقة فيميل حيناً في خضم بحثه هذا, بل هو في حالة صمود شكلية تخدم مصالحه التي يريد لها أن تبقى لأنه رهين مكاسبه!!

سماحة الدين وتقبله ميل المؤمن مع الدنيا دلالات مهمة على حقيقة ظلت مغيبة ومحشورة في زوايا ضيقة, ساقت أبناء جيل كامل إلى الاعتقاد بأن مجرد التفكير فقط بمثل هذه الرؤى هو ضرب من التعدي والدخول في المحظور, لقد كنا محرومين من خاصية التفكير وقد جعلنا النص الديني مغلقاً لا يملك مفاتحه إلا أناس معينون وليس لغيرهم الحق في التأمل والتفكير والمناقشة, مع أن النص الديني حق لكل فرد والأجر في التدبر لا يستحصل بالنيابة, فكيف ارتضينا لأنفسنا هذا؟!

نطمح لأن يكون حظ أبنائنا خيراً من حظنا وأن يتعلموا أن النص الديني بوابة مشاعة لكل مسلم لا يستأثر بمفاتيحها أحد دون أحد, وأن مرونة وسماحة ويسر الإسلام هي سر بقائه وانتشاره. وأن صلاحيته لكل زمان ومكان قائمة على رحابته واتساعه، حيث هو رحمة شملت العالمين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد