تتجاذب الأمة الإسلامية عدة تيارات فكرية منها التيار الوسطي العقلاني الذي يؤمن بالرأي والرأي الآخر، وهناك في الجانب الآخر التيار المتشدد والمتطرف الذي لا يؤمن بالحوار ولا يعترف به أصلاً.
وأنصار هذا المبدأ عادة ما يتهمون من يخالفهم الرأي بضمير مطمئن ومرتاح بالضلال والعلمانية.
وهذه الاتهامات البشعة قد انتقلت إلى حياتنا ونقاشاتنا اليومية.
حتى أن البعض أصبح يطلق الألقاب جزافاً على السياسيين والكتّاب وحتى الممثلين وبعض القنوات الفضائية والصحف المحلية والعربية من دون أي تثبت أو دراية.
ومن أهم وأكثر التهم الرائجة في عصرنا هذا، هي تهمة (العلمانية) التي أصبحت تطال كل من يدعو إلى حرية الرأي وحرية المرأة، كما أصبح هذا المصطلح متداول حتى في المدارس وفي أحاديث المراهقين الذين لا يعرفون خطورة وحساسية هذه التهمة.
فهم يسمعونها في المنابر المشبوهة والمسلسلات التلفزيونية وفي المقالات الصحفية وفي مجالس الكبار، دون أن يدركوا المضمون الحقيقي للكلمة، ومن أين سيعرفون؟ إذا كان الكبار يرددونها ببساطة وبلذة ؟؟ فالعلمانية تهمة عظمى يجهلها الكثيرون.
فما هي العلمانية ؟؟
تقول الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ما نصه: (العلمانية هي دعوة لإقامة الحياة على غير الدين)، وتضيف أنّ معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي هي :
* الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة.
* الزعم بأنّ الإسلام استنفد أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.
* الزعم بأنّ الفقه الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.
* الزعم بأنّ الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.
* الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.
* تشويه الحضارة الإسلامية وتضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاح.
* إحياء الحضارات القديمة.
* اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.
* تربية الأجيال تربية لا دينية.
وبهذا المفهوم الاصطلاحي المحدد، تصبح (العلمانية) كفراً يخرج عن الملة.
ونحن حقاً أمام كارثة إذا أضحت هذه التهم الخبز اليومي للحياة والنقاش ولا يحلو الجدال بدونها.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها هنا .. لماذا نتهم ونرجم كل من يخالفنا الرأي بهذه التهم الجائرة؟؟
لماذا مازلنا نسجل درجات متدنية في حوارنا مع بعضنا ؟؟
لماذا ما برح حوارنا مشبعاً بالتشنج وخالياً من قيم التواصل ومشبعاً بقيم التدافع ؟!
ولماذا ينعدم لدينا التسامح الفكري؟؟ ونحن أبناء دولة ومليك قطع شوطاً طويلاً وأذهل العالم بخطواته الرائدة في حوار الأديان وتعاطيه مع الآخر.
لابد أن نعترف أن الهوة مازالت سحيقة بين مستوى وطموح حوار المملكة في الخارج وحوار أبنائها في الداخل، ولربما أشدنا بحوار الأديان، بينما لم نعترف بعد بحوار التيارات الفكرية.
من الضروري أن نفكر ألف مرة قبل أن نتهم أخانا المسلم بتهم عظيمة يحاسب الله عليها بشدة، ومن الضروري أن يسأل كل منا نفسه عن مدى تفعيله لقيم الحوار على المستوى الشخصي وفي المحيط الاجتماعي القريب.
هل قبلنا اختلاف أولادنا وأصدقائنا وأبناء مجتمعنا والعاملين لدينا، على المستوى الديني والأخلاقي قبولاً كاملا ً وودّياً أم لا ولماذا ؟!.
إن تحدينا اليومي كمجتمع أن نكون على مستوى رؤية وطموح القيادة.
فالحوار هو ثقافة المرحلة ومن لا يتحاور يعرض نفسه للموت الاجتماعي، والجفاف الفكري وحيداً.
فالحوار اليوم ليس ترفاً حضارياً بل حاجة ملحة لنخرج ونخلص أنفسنا من مجموعة أزمات اجتماعية وأخلاقية تفتك بجسد وطن أراد الحياة والتسامح والريادة عنوان مرحلته القادمة.
نبض الضمير: (ما أضيق فكري إذا لم يتسع لكل فكر).