Al Jazirah NewsPaper Sunday  13/09/2009 G Issue 13499
الأحد 23 رمضان 1430   العدد  13499
الانسلاخ الياباني
ماساهيرو ماتسومورا

 

الانتصار الساحق الذي أحرزه البارحة الحزب الديمقراطي الياباني في الانتخابات العامة بمثابة الإعلان عن نهاية نظام هيمنة الحزب الواحد الذي فرضه الحزب الديمقراطي الليبرالي دون أي انقطاع تقريباً منذ عام 1955. في أغلب فترات العقد الماضي لم ينظر أحد إلى الحزب الديمقراطي الياباني باعتباره بديلاً محتملاً للحزب الديمقراطي الليبرالي، رغم أن الحزبين كانا يشكلان في الظاهر نظاماً حزبياً ثنائياً. وبعد مرور عشرين عاماً منذ نهاية الحرب الباردة، بات بوسع اليابان أخيراً أن تحظى بنظام حكم صالح لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.

إن الحزب الديمقراطي الياباني سوف يجد نفسه بمجرد توليه للسلطة في مواجهة البيروقراطية الراسخة وكبار الموظفين الذين يحرصون عادة على تخريب أي جهد للإصلاح الإداري يهدد سلطتهم ومصالحهم الخاصة. والواقع أن تقديرات الميزانية للعام المالي القادم سوف تُستَحق في أعقاب الانتخابات مباشرة. والأرقام التي سوف تقدم هي في الواقع نتاج لعملية مطولة، حيث كان كل شيء يتم بالتشاور بين البيروقراطية والحزب الديمقراطي الليبرالي. لذا فإن الحزب الديمقراطي الياباني، بدون كسر دورة الميزانية الاعتيادية، لن يضطر إلى تنفيذ الميزانية التكميلية التي صممها الحزب الديمقراطي الليبرالي فحسب، بل إنه سوف يضطر أيضا إلى الالتزام بميزانية العام القادم، التي تجسد سياسات الحزب الديمقراطي الليبرالي التي كثيراً ما ندد بها الحزب الديمقراطي الياباني.

ونتيجة لهذا فقد أعلن الحزب الديمقراطي الياباني عن خطط لإلغاء المبادئ التوجيهية التي أقرها الحزب الديمقراطي الليبرالي فيما يتصل بتحديد سقف لمتطلبات الميزانية سعياً إلى صياغة ميزانية خاصة به من نقطة الصفر. كما سيعمل أيضا على تنقيح الميزانية التكميلية. ولكن الوقت قصير، والآن يعكف عدد قليل من نواب الحزب الديمقراطي الياباني على معالجة التجربة التشريعية والدراية الفنية المرتبطة بالميزانية لتحقيق هذه الغاية.

ولاكتساب السيطرة على كبار البيروقراطيين فإن الحزب الديمقراطي الياباني يخطط لتعيين مائة من المشرعين في المناصب العليا بالوزارات المختلفة، فضلاً عن تعيين حوالي ثلاثين من العاملين بوظائف التخطيط السياسي في مكتب رئيس الوزراء. ولكن مما يدعو للأسف أن الحزب الديمقراطي الياباني ألغى مشروع قانون إصلاح الخدمات المدنية الذي رعاه الحزب الديمقراطي الليبرالي، والذي كان من شأنه أن يسمح للحزب الديمقراطي الياباني بالتخلص من كبار الموظفين البيروقراطيين وتعيين جيش من الموظفين السياسيين في محلهم. وعلى الرغم من البرنامج الواعد الذي طرحه الحزب الديمقراطي الياباني فإن الأمر يبدو وكأنه غير راغب في ترويض كبار البيروقراطيين، وهذا يعني أنه قد يضطر إلى الاعتماد عليهم في النهاية.

إن سطوة كبار البيروقراطيين تشكل تركة التنمية التاريخية الفريدة التي حققتها اليابان والتي ترجع إلى وقت مبكر من التاريخ المعاصر. فعلى النقيض من الحال في أوروبا، نجحت اليابان في تنمية دولتها حتى قبل أن تبني مجتمعاً مدنياً قوياً. ولم تبدأ العملية الناضجة لبناء المجتمع إلا بعد استرداد ميجي للحكم في عام 1868، وهو الأمر الذي أدى إلى قلب موازين السلطة نهائياً لصالح الدولة. ونتيجة لهذا فقد نجح كبار البيروقراطيين في اجتياز الحرب العالمية الثانية وفترة الاحتلال الأمريكي بعد الحرب بلا أضرار تذكر تقريباً، ولسوف يناضلون من أجل البقاء في ظل حكومة الحزب الديمقراطي الياباني أيضاً.

وأغلب الظن أنهم سوف ينجحون في مسعاهم. ذلك أن مشرعي الحزب الديمقراطي الليبرالي وكبار البيروقراطيين نجحوا في ترسيخ روتين يسمح لكبار البيروقراطيين بإعداد مسودات مشاريع القوانين التي يرعاها مجلس الوزراء، وكان مشرعو الحزب الديمقراطي الليبرالي يراجعون مشاريع القوانين، كما كان المشرعون وكبار البيروقراطيين يعملون معاً على إتمام المسودات التشريعية قبل عرضها على البرلمان. وبما أن الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي انضم إليه في الفترة الأخيرة شريك ائتلافي، كان يسيطر على البرلمان، فهذا يعني أن العملية التشريعية كانت ببساطة مجرد تفاعل بين مشرعي الحزب الديمقراطي الليبرالي وكبار البيروقراطيين، الذين تمركزوا في مقر قيادة الحزب الديمقراطي الليبرالي. وكان دور البرلمان شكلي فحسب. بل لقد تحولت هذه الآلية الخارجة على الدستور، في ظل نظام الحزب الواحد الذي هيمن عليه الحزب الديمقراطي الليبرالي، إلى جزء لا يتجزأ من النظام السياسي في حكومة اليابان.

ولكن ماذا عن الحزب الديمقراطي الليبرالي؟ بعد خسارته للسلطة فلابد وأن يخسر أيضا سيطرته على عملية إعادة توزيع الأرصدة المالية الحكومية. وما دام عاجزاً عن إرضاء جماهيره الانتخابية مالياً فإن تفككه بات أمراً وشيكاً، وذلك لأن الحزب الديمقراطي الليبرالي لم يكن قط حزباً يتمتع بدعم راسخ من قِبَل قاعدة شعبية عريضة، ولكنه بدلاً من ذلك يعمل كأداة للسلطة وإعادة التوزيع من خلال شبكة من المطلعين الداخليين في مختلف القطاعات الصناعية في البلاد، والجمعيات المهنية والمجتمعات المحلية. ولن يتسنى للحزب الديمقراطي الليبرالي العودة إلى السلطة إلا بتجنيد دماء جديدة وإعادة تنظيم الصفوف بالاستعانة ببرنامج إيديولوجي راسخ.

وحتى الحزب الديمقراطي الياباني لا يتمتع بتأييد قوي من قاعدة شعبية عريضة، وهذا يعني أن كبار البيروقراطيين سوف يستخدمون أسلوب (فَرِّق تَسُد) المعتاد على الأرجح لمخادعة الحزب من خلال توجيهه نحو تقليد الحزب الديمقراطي الليبرالي في استخدام أموال الدولة وعقودها لتوفير الدعم المالي لجماهيره الانتخابية الرئيسية، مثل النقابات العمالية وغيرها من جماعات المصالح.

إن ميلاد حكومة الحزب الديمقراطي الياباني قد يشكل نقطة تحول رغم كل هذا. ذلك أن تحولاً رئيسياً في موازين القوى لصالح (المجتمع) قد بدأ بالفعل. وإذا تمكن الحزب الديمقراطي الياباني من التحرر من سطوة كبار البيروقراطيين من خلال تركيز عملية صياغة السياسات في مكتب رئيس الوزراء، كما يعتزم، فقد يكون بوسع اليابان أن تخرج من هذه التجربة وقد أصبحت نظاماً ديمقراطية أكثر مرونة وقدرة على المقاومة، في ظل نظام ناضج قائم على حزبين وقدر أعظم من الاستعداد للاضطلاع بدور زعامي دولي.

ماساهيرو ماتسومورا أستاذ السياسة الدولية بجامعة سانت أندرو (موموياما جاكوين) في أوساكا
أوساكا - كان - خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد