هنالك قطيعة مؤسفة بين معظم أبنائنا وبناتنا وتراثهم الإسلامي العظيم، وهي قطيعة نشأت منذ أن هجمت عليهم وسائل الإعلام، ومنافذ الثقافة المتعددة، بأقوال وأفعال ونماذج وقدوات تحول بينهم وبين التواصل المثمر مع تراثهم الإسلامي وما فيه من قيم وأخلاق وقدوات حسنة كان لها دورها الكبير في بناء الحضارة والرقي بالأمة، وقد نتج عن هذه القطيعة ما نراه ونعيشه من إفراط وغلوٍّ عند فئة من شباب المسلمين أو تفريطٍ وانفلاتٍ عند الفئة الأخرى.
|
هنالك شباب شطحوا في غلوِّهم حتى جنحوا إلى التكفير والتفجير، وهنالك شباب شطحوا في تفريطهم حتى جنحوا إلى الإلحاد والفساد والانحراف.
|
والسبب الذي يُضَمُّ إلى أسبابٍ أخرى هو وجود تقصير كبير في عالمنا الإسلامي في ربط الشباب المسلم بتاريخه وتراثه وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم وسير العلماء والدعاة والقادة الذين اهتدوا بهدي الله واقتدوا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوارثوا العلم النافع، والعمل الصالح، والخلق الفاضل، يقابل هذا التقصير نشاط كبير في هذا العصر من فئات التغريب ودعاة التطوير المادي لإحلال نماذج وقدواتٍ أخرى محل تلك النماذج والقدوات المضيئة التي أبعدناها عن الضوء بتقصيرنا وإهمالنا.
|
العلم بلا أخلاق ترفع مقام صاحبه، لا ثمرة له، والعبادة المجرَّدة من روح الإخلاص، والصدق، والتطبيق العملي لمقتضاها في واقع الحياة، لا فائدة منها، ولا بد لتحقيق ما نرجو من التطبيق من أن نقدِّم لأبنائنا وبناتنا نماذج وقدوات صالحة من التاريخ العريق، ومن الواقع المعاصر، ولا نتهاون بما تحدثه القطيعة مع تراثنا من هزائم نفسية للأجيال، أصبحنا نراها رأي العين في هذه الفترة من زمن التغريب، ونشر ثقافات وأفكار الآخرين بسلبيّاتها التي تطغى على إيجابياتها.
|
وفي تراثنا من التطبيق العملي لمبادئ الإسلام العظيمة، ومن التوازن في المواقف، ومن الوعي في التعامل مع مستجدات الحياة ما يجعل التواصل معه رسالة عظيمة لا يصح لنا أن نهملها أو نفرط فيها.
|
لقد قرأت بعض مقالاتٍ لأقلام عربية مسلمة تحاول أن تلصق كل عمل إرهابي غادر بالدين وأهله، وبحلقات تحفيظ القرآن، والدروس الدينية بعد حادثة الغدر، وجريمته الكبرى التي سلَّم الله فيها سمو الأمير محمد بن نايف، فقلت في نفسي، ما الفرق بين كاتب متطرف يطعن مجتمعه بقلمه، وبين متنطِّع متطرِّف يستخدم وسائل القتل والتفجير، وشعرت بحاجتنا الماسة إلى إعادة ترتيب أوراقنا على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن التديُّن الصحيح هو الذي يصلح أحوال المسلمين، وخطرت ببالي قصة حدثت للعالم المجاهد عبدالله بن المبارك، وهو مرابط على أحد الثغور أكدت لي خطورة القطيعة مع مصادر الإضاءة في تراثنا.
|
تقول القصة: خرج من صفوف الأعداء فارس يطلب المبارزة، فقام إليه عبدالله بن المبارك، ثم انتبه إلى أن وقت الصلاة قد حان فسأل ذلك الفارس أن يتنحَّى عنه حتى يصلي، فأجابه إلى ذلك فصلَّى ركعتين قصراً، فلما انتهى، أستأذنه الفارس المشرك في أن يصلِّي هو أيضاً، فاستقبل الشمس يصلِّي، قال عبدالله بن المبارك: فرأيت أمامي فرصةً لقتله وهو في تلك الحالة، فتحركت لذلك، فإذا قائلٌ اسمع صوته يقول: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} فتركت الغدر، ولما انتهى الفارس من صلاته قال لي: رأيتك تحرَّكت؟ فقلت: أردت الغدر بك. قال: فلماذا تركته، قلت: لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب الغدر، ولأن ديني ينهاني عنه، فقال الفارس: الذي أمرك بترك الغدر أمرني بالإيمان به، فأسلم والتحق بصفوف المسلمين.
|
ولنا أن نقارن بين هذه الصورة وصورة ذلك الشاب الذي تجرأ على الغدر برجل أمَّنه واستقبله في منزله لنتساءل بعد ذلك: لماذا لا تتضافر جهودنا جميعاً لإعادة ترتيب العلاقة والتواصل بديننا وتراثنا المشرق بدلاً من التراشُق، وإضاعة الوقت فيما لا يفيد من الجدل العقيم؟!
|
|
وما إرهابُ هذا العصر منا |
ولا فينا ولا هو من هُدانا |
|
|