تتنوع تكتيكات التطرف والإرهاب في زعزعة الأمن، وإحداث الاضطراب في المجتمع الذي يستهدفونه
، ومن صور هذا التكتيك الاعتداء المباشر على القيادات بهدف الاغتيال، ومن ثم إرباك خطط الدولة وتحركاتها لمواجهة الفئات الإرهابية...........
ما تعرّض له صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية جزء من هذا التكتيك للفئة الضالة، ونحمد الله سبحانه وتعالى على نجاة الأمير ودحر هذه الفئة، ولا ريب أنّ الله يبطل كيد الخائنين، وأنّ المكر السيئ لا يحيق إلاّ بأهله.
إنّ الإرهاب دائماً لا دين له ولا زمن، لذا حدثت حوادث تاريخية يتم تصنيفها أنها حوادث إرهابية، ومنها محاولات الاغتيالات السياسية التي حدثت عبر التاريخ، فهناك اغتيالات كانت ناجحة، مثلما حدث للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (25 - 30هـ)، عندما اغتاله أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس صلاة الفجر. وكذلك الخليفة الرابع علي رضي الله عنه (35 - 40هـ)، عندما تعرّض لحادثة اغتيال من عبدالرحمن بن ملجم في 17 رمضان سنة 40 هـ.إلاّ أنّ هناك محاولات اغتيال فشل أصحابها ولم ينجحوا في تنفيذها.ولعل أبرز محاولات الاعتداء على القيادات في تاريخ أمتنا الإسلامية، محاولة الخوارج في قتل علي بن أبي طاب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص؛ وتبدأ قصتهم أنهم ثلاثة من الخوارج اجتمعوا وهم (عبدالرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبدالله التيمي، وعمرو بن بكر التيمي السعدي) واتفقوا على أن يقتل عبدالرحمن بن ملجم علي بن أبي طالب، والبرك بن عبدالله يقتل معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن بكر يقتل عمرو بن العاص، فتعاهدوا ألاّ ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجّه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم وسمموها، وحددوا يوماً معيناً لهم يكون هو يوم التنفيذ، وكان هذا اليوم هو السابع عشر من رمضان سنة 40هـ.
ولما توجّه عبدالرحمن بن ملجم إلى الكوفة ولقي أصحابه، كتم أمره عنهم، ومن ثم اجتمع مع أصحابٍ له من تيم الرباب، وكان علي رضي الله عنه قد قتل يوم النهر جماعة منهم، ووجد معهم امرأة من تيم الرباب اسمها (قطام) قد قُتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت هذه المرأة فائقة الجمال، فلما رآها ابن ملجم أسرته فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي، فقال وما تريدين؟ قالت قتل علي، قال: والله ما جاء بي إلاّ قتل علي.وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وماذا؟ قال: قتل علي، قال شبيب ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إداً! كيف تقدر على قتله؟ قال: أكمن له في المسجد فإن قتلناه ونجونا فقد شفينا أنفسنا وإن قُتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها.
وتم قتل علي رضي الله عنه ليلة الجمعة حسب ما تم الاتفاق عليه؛ وتم القبض على ابن ملجم بعد ذلك وقتله، أما البرك بن عبدالله، فإنه قعد لمعاوية في تلك الليلة التي اتفقوا عليها، ولما خرج معاوية ليصلي، شد عليه بالسيف فوقع السيف أسفل ظهر معاوية فتم القبض عليه فأمر به معاوية فقتل. فتم علاج معاوية سريعاً عن طريق طبيبه، حيث خيره إما أن يحمي حديدة فيضعها موضع السيف أو يسقيه دواء يتسبب في قطع نسله، لأنّ السيف كان مسموماً فاختار معاوية الدواء، فسقاة فبرأ ولم يخلف ولداً بعدها.
أما عمرو بن بكر، فإنه جلس لعمرو بن العاص تلك الليلة، إلاّ أن عمرو بن العاص لم يخرج بسبب مرض آلمه في بطنه، فأمر صاحب شرطته (خارجه بن أبي حبية) أن يصلي بالناس، فشد عليه وهو يرى أنه عمرو بن العاص، فضربه وقتله، ثم أُحضر عند عمرو بن العاص فقتله، ولم يتمكن الخوارج من قتل القيادات الإسلامية الثلاثة جميعهم ما عدا الخليفة علي رضي الله عنه.
وحدثت محاولة اغتيال فاشلة أيضاً للسلطان الأيوبي صلاح الدين (569-589هـ) أثناء محاصرته لقلعة عزاز بالشام، وذلك ليله الأحد حادي عشر من ذي القعدة سنة 571هـ - 1175م، حيث قفز عليه رجل من الباطنية (يُقصد بهم إسماعيلية الشام المعروفون بالحشاشين أو الحشيشية)، كان متخفياً بلبس الأجناد، وضرب صلاح الدين على رأسه بسكينة كانت معه، فلولا المغفر الزرد (وهو نوع من الدروع على قدر الرأس) كان تحت القلنسوة لقتله، فأمسك السلطان صلاح الدين بيدي الباطني، لكنه لم يستطع منعه من الضرب بالكلية، فبقي يضربه في عنقه ضرباً ضعيفاً وكان السلطان عليه كزاغند (وهو معطف قصير يُلبس فوق الزردية) فكانت الضربات على الكزاغند فتقطعه، والزرد يمنع من الوصول إلى رقبة السلطان، فحضر بعض رجال صلاح الدين وأمسكوا بالباطني وقتلوه، ثم هجم شخص آخر على السلطان فتمكن منه أحد الأمراء الذين حضروا وقبض عليه وقتله، ثم هجم شخص ثالث فتصدى له أيضاً أحد الأمراء وقتله، ففشلت تلك المحاولة في اغتيال السلطان صلاح الدين من قبل الباطنية، فركب السلطان إلى خيمته المعدة له في المعسكر، وقد ارتاع من هذه الحادثة، ودمه يسيل على خده، وطوق كزاغنده مبلول، واحتجب عن الناس واحتاط، واحترس من الجند فمن أنكره أبعده، ومن عرفه أقره. فحمى الله السلطان الأيوبي من كيد الأشرار وواصل جهاده ضد الصليبيين في الشام حتى تمكن من هزيمتهم في موقعة حطين المشهورة في شهر ربيع الثاني من سنة 583هـ - 2 يوليو 1187م.
وفي عصرنا الحديث حدثت أيضاً محاولة اغتيال فاشلة للملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه - مؤسس المملكة العربية السعودية - وذلك عندما كان حاجاً سنه 1353هـ - مارس 1935م، ويذكر المؤرخ خير الدين الزركلي هذه الحادثة، حيث كان ضمن حجاج تلك السنة، أنّ الملك عبدالعزيز - رحمه الله - توجّه إلى مكة من منى صباح اليوم العاشر من ذي الحجة يريد أن يطوف طواف الإفاضة، ثم يصلي مع الناس صلاه العيد، وأثناء الطواف وعندما أكمل الشوط الرابع وبدأ في الشوط الخامس وهو مقابل لباب الكعبة، خرج عليه رجل كان بقرب حجر إسماعيل وفي يده خنجر وصاح صيحات منكرة، وقفز يريد أن يقتل الملك، وكان الملك سعود - رحمه الله - يمشي خلف والده فألقى بنفسه عليه، ليحميه من طعنات ذلك الغادر، ودفع المجرم بيده وأبعده عن والده، وتمكن الحرس الخاص للملك من قتل المجرم على الفور، ومن ثم علت صيحات أخرى من رجل آخر كان مختبئاً في الحجر، وانقض بخنجره يريد الملك عبدالعزيز، إلا أن الطعنات جاءت في الكتف الأيسر للملك سعود رحمه الله، وبعدها وثب رجل ثالث مقبل من ناحية الركن اليماني، فلما شاهد صاحبيه وهما مضجران بدمائهما، رجع وانطلق يريد النجاة بنفسه، إلا أن الحرس تمكنوا من القبض عليه والتحقيق معه والتعرف على أهداف الجريمة والجهة التي أرسلتهم.
وأنقذ الله سبحانه وتعالى الملك عبدالعزيز في تلك الفترة من هذه الحادثة وتوجّه رحمه الله إلى منى للإشراف على الحجيج وكأن شيئاً لم يكن، حتى لا يختل أمر الحجيج، ويكملوا حجهم على أكمل وجه وأحسن صورة. فبهذه النماذج التاريخية التي تم ذكرها يتبين لنا أن الإرهاب كان موجوداً منذ القدم، وربما اختلفت طرق التنفيذ ونوعية السلاح التي يُنفذ بها الجريمة. وما هذه الحادثة التي حدثت لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف إلا أنها سوف تزيده عزماً وإصراراً على محاربة الإرهاب بكافة أنواعه وطرقه، وإن الله سبحانه وتعالى سوف يحمي هذه البلاد من كيد الخائنين وعبث العابثين إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مدير عام إدارة الدراسات والبحوث والنشر بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني
mshuwaier@kacnd.org