كشفت دراسة أمنية صادرة عن وزارة الداخلية أن السلطات الأمنية تمكنت من إنقاذ الاقتصاد السعودي من ضربات موجعة من خلال إحباطها 31 عملية إرهابية كانت موجهة لقطاعي النفط والتكرير، وبعض المرافق الاقتصادية الأخرى خلال الخمس سنوات الماضية. وتشير الدراسة التي نشرت جريدة (الحياة) جزءًا منها إلى أن الإرهابيين رغبوا في (إظهار قوة الفكر الإرهابي ضد مجتمعهم، فاتجهوا إلى تدمير جزء من البنية التحتية الأساسية في المملكة، إلى جانب استهداف المرافق الاقتصادية كالمنشآت النفطية وغيرها من المشاريع المهمة التي كلفت الدولة أموالاً باهظة، لأن كلفة اعادة بنائها ستكون على حساب مشاريع تنموية أخرى تخدم المواطن والمقيم).
وذكرت (الحياة) نقلا عن الدراسة الأمنية أن (أبرز العمليات الإرهابية المحبطة بين 2003 و2008 لمنشآت نفطية واقتصادية، كانت ضرب المفاصل الاقتصادية في مكة المكرمة، واستهداف منشآت نفطية في رأس تنورة والدمام وبقيق، وضبط مجموعة خططت لاستهداف منشآت نفطية مهمة في الجبيل، وأخرى خططت لاستهداف أنابيب النفط في الخبر).
كنت على قناعة تامة من أن هدف الإرهابيين الرئيس هو تدمير الاقتصاد من خلال استهداف قطاعي النفط والتكرير، وأشرت في مقالات عدة إلى تلك النتيجة المفجعة التي أشارت لها (الدراسة الأمنية) المتخصصة، وأضفت أن ربطتها بالدور الاستخباراتي الذي يوجه تنظيم القاعدة نحو أهدافه الإستراتيجية.
في الثاني من مارس 2006 كتبت تحت عنوان (مَنْ المستفيد من استهداف آبار النفط وضرب الاقتصاد؟) ما نصه: (استهداف مجمع بقيق النفطي لم يكن استهدافا عرضيا، بل هو استهداف مقنن وموجه نحو تدمير أكبر مرافق معالجة الزيت في السعودية، وأكبر معمل لتركيز الزيت الخام في العالم، بغرض تدمير الاقتصاد الوطني، وتدمير اقتصاديات دول العالم، التي تعتمد على صادرات النفط السعودية)
وفي مقالة أخرى ذكرت أن: (استهداف المنشآت النفطية يعني استهداف الاقتصاد وضرب أهم قطاعاته المنتجة، والقضاء على المورد المالي الرئيس، وهو أمر عظيم لا يمكن أن يقف تأثيره عند حاجز التغيير الذي يثيره التكفيريون وتروج له وسائل الإعلام الموجهة، بل يتعداه إلى تدمير الوطن، وإنهاك قواه، وإضعافه، وإعادته إلى عصور الفقر. استهداف المنشآت النفطية الرئيسة أو المساندة في أكبر الدول المنتجة للنفط يثير الهلع العالمي ويضع المملكة في دائرة المراجعات الأمنية الدولية، ويحقق أهداف المخططات الإستراتيجية الشيطانية التي وضعتها قوى الشر، وجندت إرهابيي الجماعات التكفيرية لتنفيذها وفق الخطط الاستخباراتية المتقدمة؛... تنظيم القاعدة والاستخبارات الأجنبية عملوا على محورين لتحقيق أهداف مختلفة، وأهداف تتقاطع أحيانا مع توجهاتهم التخريبية. استهداف الاقتصاد الوطني، وضرب منشآت النفط، وتدمير البنية التحتية كانوا ضمن أهدافهم المتقاطعة ولا شك).
الدعم الاستخباراتي الذي تتلقاه الجماعات الإرهابية أكده محمد عتيق العوفي، القيادي في تنظيم القاعدة الذي ذكر: ب (أن هناك استخبارات دول تقود هؤلاء الأفراد باسم المجاهدين)، وأكد على حصول التنظيم على الدعم المادي، العسكري، واللوجستي من جهات استخبارية خارجية.
الفكر الإستخباراتي ربما كان المسؤول الأول عن إنتقاء الأهداف الإستراتيجية كمجمع بقيق النفطي الذي يمر به أكثر من ثلثي الإنتاج السعودي، أو معامل التكرير في رأس تنورة والجبيل، في الوقت الذي تتولى فيه جماعات تنظيم القاعدة عمليات التنفيذ. إستهداف مجمعات النفط ومعامل التكرير تحقق أربعة أهداف رئيسة: الأول ضرب الاقتصاد السعودي، والثاني (إظهار قوة الفكر الإرهابي)، والثالث إظهار قوات الأمن بمظهر العاجز عن حماية منابع النفط، والرابع إثارة الدول الأجنبية على أساس أن تفجير آبار النفط سيؤدي إلى نقص حاد في الإنتاج العالمي.
سيطرة الجماعات الاستخباراتية على تنظيم القاعدة أفقد أعضائها إمكانية التفكير بعواقب الأمور. يبدو أن الإرهابيين أنفسهم لم يستوعبوا النتائج المدمرة التي كان من الممكن أن تحدث لو أنجزت عملياتهم الإرهابية في مدينتي بقيق، ورأس تنورة!. سكان تلك المدينتين، والمدن القريبة من رأس تنورة كانوا مهددين بالموت، لولا لطف الله ورعايته، ثم يقظة رجال الأمن. نجزم بأن تدمير الإقتصاد هو هدف الإرهابيين الرئيس إلا أن الأهداف الأخرى المترتبة على ذلك الهدف تبدو أكبر بكثير من أن تستوعبها عقولهم الظلامية، وهي ما تبدو واضحة جلية لأعوانهم وقاداتهم في الخارج.
كل ما نتمناه أن يعي المجتمع بأسره خطر تنظيم (القاعدة) الذي يهدد أمنه، استقراره، اقتصاده، مقدساته، وحضارته، حيث يسعى بكل ما أوتي من قوة، يقودها الجهل والضلال، لتدميره؛ فيقف صفا واحدا أمام الفكر (القاعدي) الضال، وعملياتهم الإجرامية التي توشك أن تصيب البلاد والعباد بكارثة لا يعلم مداها إلا الله. والله المستعان.
f.albuainain@hotmail.com