كلما رأيت عاملة منزلية بوجهها الحزين (هي حتى تخاف أن تبتسم فتسألها السيدة لماذا تبسمين ولمن)!! أو أخرى تركض خلف طفل نشط فيما تحمل الآخر ويتعلق الثالث بعباءتها في المجمعات التجارية أو هي تركض مثل الآلة في الاستراحة لتلبي طلب سيدتها أو طلب ابن السيدة من خلف الباب يأمرها بصنع قهوة للرجال في الخيمة الأخرى أو أن أراقب هؤلاء العاملات في البيوت حيث لا حدود واضحة .........
للواجبات أو لأوقات العمل.. لحظتها أتوجه دائما لخالقي بالشكر أننا لم نضطر لأن نكون في موضعهن وأساله الرحمة بهن من عباده وأدعو ألا يكتب على مسلم أن يخضع لشروط موقف استعبادي كهذا. في هذه المقالة سنشارك إحدى العاملات من شرق آسيا رسائلها إلى ذويها وهي تعكس كيف ترى ما يحدث لها. الأسبوع القادم.... سنتشارك في رسائل مفاجئة من نوع آخر ونتخيل أن هناك خادمة سعودية في الفلبين.. فانتظروها...
الرسالة الأولى
أمي.. أكتب لك بعد أن وصلت منذ عشرة أيام... الطائرة كانت مليئة ببنات جنسي من مثيلاتي القادمات للعمل في المنازل هنا في السعودية مما أشعرني بالطمأنينة لكن تجربة المطار كانت غير مريحة فاللغة غير مفهومة كما أن الجميع (رجال تحديدا) يصرخون فينا منذ نزولنا من الطائرة بدون سبب ويرفعون أيديهم بحدة فخمنت أن لغتهم مليئة بالإشارات اليدوية وان لديهم الكثير من الصم والبكم!!
بعدها تم حشر مثيلاتي من القادمات في قاعات ضيقة ولم أكن قادرة على أن أفعل شيئا لنفسي مثل أن أتصل بمن استقدمني ويسمونه هنا الوكيل أوان أستقل تاكسي إلى عنوان محدد كما قد أفعل في أي بلد.. تركوني هنا في هذا المكان المغلق في المطار ليوم كامل. لم أنم بشكل جيد أبدا بعد رحلتي الطويلة، وهكذا حين أتت العائلة لاستلامي كنت في غاية التعب وقد جاء رجل أثارت نظراته الفاحصة الرعب في قلبي ولكن لم أكن أملك أي خيار وهكذا قدمتني الشرطة له وركبت في سيارة رجل لا أعرفه يلبس ملابس عجيبة ويتحدث لغة غير مفهومة لينطلق بي إلى أي مكان يرغبه دون أن يعرف عني أحد!! تخيلت أفلاما كثيرة شاهدتها في السينما لكنني حاولت تبديد هذه الأفكار وأخذت أقرأ سورا من القرآن وأذكر اسم الله حتى نصل وفعلا استغرق المشوار حوالي الساعة لزحمة الطريق وأخيرا وصلنا للمنزل.
استقبلنا صراخ الصغار الثمانية الذين يعيشون في منازل تختلف عما تعودنا عليه إذ كلها جدران ولا تدخلها الشمس أبدا والبيت مليء بالأثاث الصيني ومن اللحظة الأولى قادتني السيدة التي لم تمنحني ابتسامة إلى المطبخ حيث وضعت حقيبتي ثم بدأت تتكلم معي بلغتهم العربية دون أن أفهم شيئا، وكان ذلك واضحا فبدأت تشرح لي أيضا بلغة الإشارة وأخذت أستوعب تدريجيا وهكذا وقفت في المطبخ لغسل الأطباق منذ لحظة قدومي كما أحضرت لي دفترا وقلما لكتابة الوصفات كما تطبخها وهكذا بملابسي وكما أتيت بقيت حتى المساء في المطبخ الصغير ولم أعرف هل من حقي أن أأكل لكن السيدة كانت كريمة فقد قدمت لي بعض ما تبقى بعد أن انتهت العائلة من الأكل، بعدها أخذتني إلى حيث سوف أنام وهي غرفة صغيرة ملحقة بالدرج فوق السطوح ولا يوجد فيها نافذة ولا أثاث سوى فراش ملقى على الأرض وسجادة للصلاة وبعض الملابس المستعملة التي أعطتني إياها السيدة وعباءة سوداء بمستلزماتها وهي أساسية عند الخروج لأي سيدة هنا. ألقيت بجسدي المتعب وكأنني في غيبوبة حتى مطلع الفجر حيث جاءت سيدة المنزل لإيقاظي. توضأت وصليت ونزلت مباشرة لأستمر في العمل بجوارها ومع الأطفال الذاهبون منهم للمدارس والزاحفون على الأرض وظل الحال بي، كذلك حتى الساعة الحادية عشرة ليلا. لم أشعر بوسطي وكانت هناك مسامير تخترق رأسي لكنني خفت من الشكوى وذهبت للفراش وأنا في غاية الإعياء.
الرسالة الثانية بعد شهور
بدأت أعتاد على ما حولي. أستيقظ باكرا لأعد الإفطار وأعد الصغار للمدرسة وأرعى ما تبقى منهم ثم تمضي سحابة النهار ركضا وراء الأعباء المنزلية. ليس هناك تحديد واضح لما علي عمله أو لعدد الساعات التي أعملها، أنا في الغالب لا أتوقف وبدأت أجيد العديد من الأكلات التي يحبونها هنا لكنني أفتقد حياتي ولا أشعر بأنني مخلوقة أو أنني فعلا أمشي على الأرض ولا يعرف من حولي اسمي الكامل وينادونني باسم مختصر سهل عليهم تذكره وكان علي أن أعتاد عليه وهذا ما جعلني أتلبس روحا أخرى وكأنني لم أكن مخلوقة قبل أن آتي هنا. لم أخرج إلا ثلاث مرات حتى الآن مع الأسرة إلى منزل أسرتهم الكبيرة وبقيت مع غيري من العاملات في المطبخ الحار وعملنا وطبخنا وغسلنا كما نفعل في المنزل لكنني وجدت على الأقل من أتحدث معه والعاملات جميعا يعشن نفس الظروف. أنا أعد محظوظة فالعائلة التي أعمل لديها تسلمني راتبي ويسمحون لي بتحويله كل شهرين كما أنني حتى الآن لم أعان من تحرش رب المنزل أو بعض الصبية الكبار كما يحدث للكثير من حولي من العاملات المنزليات اللاتي قابلتهن واللاتي يرضخن خشية فقد عملهن أو بحثا عن المتعة المفقودة هنا أو خوفا من اضطهاد أكبر.
ورغم أن ربة المنزل امرأة متدينة وخيرة كما يقول عنها الجميع لكنها تتصرف بطريقة غريبة فهي تقفل أبواب المنزل حين تخرج حتى لو كان بعض الأطفال معي وأتصور لو أن حريقا حدث ما الذي يمكن لي أن أفعله؟؟ سنموت جميعا قبل أن يتم تبليغها أو أن نجد المفتاح؟؟؟ هي أيضا دائما متجهمة وتعاملني بالحد الأدنى من اللطف وللحق فهي لا تضرب لكنها تعطي الأوامر الكثيرة كما يصعب إرضاؤها وتكثر ملاحظاتها على كل ما أفعله.
جزء من التسلية المتاحة للأطفال في هذا المجتمع هو السخرية من العاملات والسائقين وهم يوجهون الأوامر مثل والديهم ويضحكون لطريقة نطقنا للعربية ويكررون الجمل التي نقولها بطريقة ساخرة ويضربوننا أحيانا بأيديهم وأرجلهم عند الغضب وكل ما تفعله الأمهات تجاه ذلك هو الضحك لظرف أطفالهم!!
القوانين التي تحكم تحركنا صارمة جدا ورغم أن الكثير من العاملات يتجاوزن بمهارة شديدة هذه القوانين ويستطعن توفير جوالات لا يعلم عنها رب المنزل وإقامة علاقات مع بعض السائقين أو العمال في الشارع إلا أن ذلك يبدو مخيفا لي وثمنه باهظ جدا ولهذا فما أفكر فيه هو العودة من حيث أتيت. أعرف أنني دفعت للمكتب عمل ستة شهور مقدما حتى أحصل على الفيزا وأعرف أنني كنت أخطط للعمل سنوات حتى نتمكن من بناء منزل لنا فالراتب بحساب عملتنا لا بأس به.. لكن ظروف العمل الوحشية والعزلة والوحدة التي أشعر بها أدخلتني في دوامة نفسية وعقلية غريبة ولم أعد أعرف نفسي ولم أعد أشعر بطعم الماء في فمي أو طعم الأكل وتنازلت عن كل رغباتي وأمنياتي الصغيرة كنت أتمشى في حقل أخضر أو أنام حتى الظهر أو ألا أعمل ساعات متواصلة. كل ما أتمناه الآن وأسعى إليه هو أن أتمكن من أداء العمرة قبل العودة وربة العائلة قد وعدتني خيرا لنذهب قبل رمضان وسؤالي الآن:
متى يتم إطلاق سراحي؟؟