Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/09/2009 G Issue 13498
السبت 22 رمضان 1430   العدد  13498
على رسلك يا شيخ .. فكل قال كلمته!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

في كل مرة، وأنا أحاول أن أكتب هذا المقال يتجدد لديّ شعور, بأن القيمة السائدة في المجتمع، هي: (إن لم تكن معي، فأنت ضدي). إضافة إلى تبادل الشتائم بين المختلفين من شرائح المجتمع، حتى وصل الأمر إلى مثقفيها ونخبها الفكرية، الذين يشار إليهم بالبنان. فتبين لي أن المعضلة الحقيقية تكمن في الآراء المتطرفة، رغم أن تعدد الرؤى وتوالد الأفكار وتدافعها، هو الأصل في المجتمعات الراقية.

ولقد أعطيت هذا المقال الوقت الكافي، حتى لا يكون نتاج صدى سلبي معاكس لما تراه الأغلبية في المجتمع. فلكل شخص الحق في إبداء رأيه، وطرح فكرته، والمجادلة بالتي هي أحسن، وإضافة ما يراه مكملاً بصدق وتجرد، دون تجاوز يفضي إلى خلاف غير مستحب. فاختلاف الآراء وتنوعها سنة كونية وجبلة بشرية، (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).

ومع الأسف، فإن آراءنا غالباً ما تنتقل من الفكرة لتناقش ذات الإنسان، ومن ثم شتمه والنيل منه، فيفسد الخلاف في الرأي كل ود، وتفسد حينئذ آراؤنا، ونصادر آراء الآخرين لنحتكر الحقيقة المطلقة. وخذ على ذلك مثلاً: قصيدة الشيخ عائض القرني التي أنشدها الفنان محمد عبده، حين خرجت إلى دائرة الضوء الإعلامي، أصبحت ملكاً للقارئ، وعرضة للنقد. فأبحرت تلك القصيدة بآراء النقاد بلا حدود، وأثارت جدلاً لم يتوقف حتى كتابة هذا المقال، مما جعل الشيخ يضيق بالرأي الآخر، فكان من ذلك: أن كتب مقالاً حاداً في صحيفة الشرق الأوسط في 16- 6- 2009م، يصف فيه كل من انتقد القصيدة، بأنهم أعداء النجاح وحساده، مع أن دافعهم هو الغيرة على الشيخ. وتبقى في النهاية وجهات نظر تتعدد وتتنوع، لنخرج بآرائنا بصفاء كما دخلناه بصفاء.

قال الشيخ سلمان العودة ذات مرة، حينما سأله غير واحد عبر عشرين سنة، أو تزيد: لماذا لا ترد على مخالفيك، وتفند حججهم، وتبين وجهة نظرك؟ وهل هذا يعني تجاهلهم والإعراض عنهم؟ فأجاب: (أنا سائر في طريقي، واخترت ألا أتشاغل بهذا، لكن هبني رددت عليه، ثم هو رد علي. هل سأقطع أعمالي البناءة وأتفرغ لمعركة الردود؟ أم سأنقطع وأتوقف فيبدو وكأنه غلبني وخصمني؟. ثم حدثني ماذا بقي لدينا الآن من آثار المعارك الطويلة التي جرت قبل 30 أو 40 سنة، فضلاً عن 300 أو 400 سنة؟).

إن تفرقنا بعد اختلافنا في وجهات النظر، دليل على عدم قدرتنا في فهم الآخر، وبالتالي عدم تقبلنا لوجهة نظره، فيكون واقع الحال كما عبر أحدهم: أن الحوار يتحول إلى جدل عبر معادلة كيميائية، تتداخل فيها كافة النوايا القلوية والعبارات الحمضية، لتكسر الروابط العضوية بين المتحاورين، فتحيلها إلى عناصر حارقة وقابلة للاشتعال.. ويصبح الخلاف في الرأي قادراً على سحق كل قضايا الود، وإحالتها إلى مواقف عدائية، يستفيد منها أحد المتحاورين لتشويه السيرة الذاتية للمحاور الآخر، وتأليف وثيقة سوابق يستعان بها في سد الثغرات، التي لم يتسن ملؤها من حيثيات القضية الأساس.

بات من المؤكد أن نشر ثقافة: (الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية) مطلب مهم، بعد أن عشنا فترة من الزمن في مجتمع مصادر، لا يمكن السماح بفكر الاختلاف. فثقافة التسامح هي الطريق الصحيح لحل كافة القضايا المختلف عليها، بعيداً عن روح التعصب وشطب الآخر. وهي ثمرة لقبول الحراك التواصلي والاجتماعي. كما أن زرع تلك الثقافة في عقول ونفوس الجيل، هي التي تخلق جيلاً واعياً يحسن التعامل مع الأحداث والمواقف بشكل إيجابي. فهل لا زالت مجتمعاتنا تعاني من حالة التباس معقدة، لا تتفق فيما تفاهمت عليه، ولا تتحاور فيما اختلفت فيه؟.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد