بات أمر توظيف الشباب السعودي من أهم القضايا الشائكة اليوم وأكثرها تداولاً في المجالس العامة والخاصة وأثقلها هّماً، وقد سبق أن أشرت في غير مقال أن توطين الوظائف ليس بالأمر الهين ولم يكن كذلك، لكن تحقيقه أو على الأقل الاقتراب من تحقيق نتائج مثالية ليس أيضاً
من ضروب المستحيل أو الخيال.
لا يمكن تجاهل ما يبذل من جهد غير عادي في سبيل تحقيق نتائج إيجابية في هذا الصدد إلا أن استمرار الوضع الحالي كما هو دون تغيير هو العنوان الدائم لنتائج جميع ما يبذل في سبيل القضاء على البطالة بالمملكة وما يحمله ذلك العنوان من توجس دائم وهاجس مستمر من المستقبل الذي يحمل حقيقة مفادها تزايد أعداد الشباب الباحثين عن العمل عاماً بعد آخر ما يشكل خطراً لعلي لا أبالغ إن وصفته بخطر يفوق جميع الأخطار المعاشة اليوم لأن البطالة كما هو معلوم تعتبر نواة وسبب رئيس لخلق أرضية خصبة للجريمة والمخدرات والانحرافات بشتى أنواعها.
لا شك أن ذلك الهم يؤرق جميع أجهزة الدولة ذات العلاقة، فوزارة العمل وهي الوزارة المناط بها تلك المهمة الوطنية، تعمل بجد وباجتهاد ممثله في عدد من الأجهزة ذات العلاقة وكأنها تنحت بالصخر مما يواجهها من محبطات سواءً من القطاع الخاص الذي بات أمر تعاونه مع الوزارة في سعودة الوظائف أمراً محكوم عليه بالفشل إلا من رحم ربي، أو من خلال المواطن الذي يرغب بوظيفة تناسبه شخصياً يتم تفصيلها على مقاسه بمرتبها وعدد ساعات العمل بها، وفوق ذلك مكانها والمرجعية الإدارية بها.
فالقطاع الخاص لايفتأ يبحث عن وسيلة لتجنب توظيف السعودي ويتفنن في ابتكار واختلاق الأسباب والأعذار التي من شأنها تصوير الشاب على أنه ذلك الطفل المدلل الذي لا يرغب العمل ولا يهتم به ولا يقوى على مقارعة غيره من العمالة الوافدة في كثير من متطلبات الوظيفة.
والشاب السعودي إن حصل على وظيفة واجهته العديد من الضغوطات والإحباطات من العاملين معه ربما خوفاً أن يُفقدهم يوماً ما أتوا لهذا البلد من أجله، فضلاً عن عدم ارتياحهم لوجوده بينهم لإحساسهم ربما بفقدان الأمان والأمن الوظيفي من ناحية ولتقييد حرياتهم في العمل من ناحية أخرى.
والحقيقة المرة الواقعة هي أن البطالة مستمرة وأعداد العاطلين عن العمل في تزايد مستمر ليس بفعل البطالة المدورة التي تنتج عن عودة طالبي العمل لمكاتب العمل بعد أيام من توظيفهم ومطالبتهم المتكررة والمتجددة بتوظيفهم من جديد، ولكن بفعل حركة الزمن وتسارع عقارب الساعة التي لا ترحم في توليد أعداد كبيرة من الشباب الباحث عن عمل. تلك الأعداد التي تحمل شباب مؤهل في عدد كبير من المهن التي يحتاجها السوق ولم يستطيعوا طبعاً الالتحاق بوظائف تناسبهم وتناسب تخصصاتهم.
لقد ناديت في غير مناسبة بضرورة رسم إستراتيجية قصيرة وطويلة المدى تقدم بدايةً عدد من الآليات التي من شأنها العمل على توظيف العاطلين عن العمل بشكل فوري من خلال طرق عديدة تفرضها وزارة العمل على القطاع الخاص وبمساعدة من وزارة الخدمة المدنية فيما يخص القطاع العام، وطويلة المدى تأخذ بحسابها الأعداد المتوقعة للشباب السعودي المقبل على دخول سوق العمل وما يتضمنه ذلك من إجراءات تأهيلية لهم وتكون دقيقة وموجهة ومبنية على دراسات إستراتيجية لحاجات السوق المحلية من أيدي عاملة على المدى البعيد وتتحرى بشكل عملي المتغيرات التي يفترض أن تطرأ على السوق مع الأخذ بعين الاعتبار عدم استعجال نتائجها. وقد استبشرت خيراً كثيراً بالإستراتيجية الوطنية للتوظيف والتي أعلن مؤخراً عن ولادتها وتم شرح أهدافها ورؤاها، إلا أن ما يؤخذ عليها هو عدم ذكر طبيعة الآليات التي تتبناها تلك الإستراتيجية في تحقيق أهدافها وتم الاكتفاء فقط بذكر أعداد تلك الآليات في كل جانب بشكل مستقل.
ما الضير في أن يتم الإعلان عن الآليات التي يفترض أن تكون الطريق لتحقيق أهداف إستراتيجية وطنية تهتم بمصالح المواطن وأسرته على المدى البعيد، ما المانع أن تكون فكرة تطبيق وتحقيق الإستراتيجية واضحة للجميع سواءً المواطن الذي بدأ يحمل هموم مستقبل أبنائه أو أصحاب رؤوس المال الذين يهمهم مستقبل مصالحهم التجارية؟. إلى لقاء آخر إن كتب الله،،،،
dr.aobaid@gmail.com