Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/09/2009 G Issue 13498
السبت 22 رمضان 1430   العدد  13498
أوتار
رسالة من المهجر
د. موسى بن عيسى العويس

 

هذه الرسالة محورها (الطلاق)، سبكها أديب (مهجري) بارع، غيور على لحمة المجتمع العربي في الشرق، حريص على تماسك نسيجه من أي اختلال. تلك الرسالة ستكون خاتمة هذا المقال المطروح أمامكم.

* أقول: على أهازيج الفرح ونغمات السرور، وأمام مواكب السعادة ورقصات الابتهاج في هذه الأيام، تعزف أوتاراً أخرى جريحة، صداها الأسى والحزن العميق، ومبعثها الألم والقلق الشديد. في هذه الأيام والليالي قصورٌ عمرتها أفراح الزواج، وأكثر منها، أو يدانيها في العدد أجواء أخرى تخيّم عليها، وتحل مع مساءاتها وقائع (الطلاق).

* ظاهرة الطلاق التي تعدها الشرائع أبغض الحلال إلى الله، أمست في عرف بعض الناس من أيسره، وأقلها شأنا، يتساوى أمام هذه المشكلة واستباحتها كافة الأطياف، الفئات المتدينة، أو غيرها إن لم يكن عند الشريحة الأولى أكثر شيوعا وانتشارا، بحكم الفهم والوعي بأحكام الزواج الذي يدّعيه البعض، أو يتذرّع به أمام الناس، وهو يمارس هذه العبادة على حد تعبير بعضهم. والناس، وبخاصة في مجتمعنا المتدين، وبحكم فطرتهم الطيبة النقية، ينساقون خلف الأحاديث الشريفة (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوّجوه)، وأكثر ما ينخدعُ فيه هذا المجتمع للأسف هو التحاكم إلى الظواهر، دون استقصاء لما هو خلاف ذلك، وتلك علّة من أكبر العلل التي ابتليت بها بعض المجتمعات حتى استشرت فيها، واستعصى علينا بعد ذلك العلاج.

* الشرائع المعتدلة حثت بلا شك على تجنّب أسباب الانفصال وحذّرت منه، باعتبار الحياة الزوجية الأساس الذي يرتكز عليه بناء الأسرة، وعلى هذا الأساس فليس من المستغرب أن تحف المجتمعات التي راعت هذا المبدأ السعادة، والطمأنينة، والأمن والاستقرار.

* لا أحد يختلف أن هناك أنفساً مظلومة بريئة مسحوقة، تدفن حزنها وشقاءها في طيات الصدور، ومن المعلوم أن هناك أزواجاً في جحيم دائم، وعذاب لا يطاق، لا ينتشلهم من ذلك الواقع سوى (الطلاق). ومع ذلك، لنأخذه هذه الرسالة الرائعة، مبنى ومعنى من (جبران خليل جبران)، لنتأملها قبل الإقدام على القرار الصعب، والخيار المرّ أحياناً على البعض، يقول، وقد ألحّ عليه بعض أصدقائه، وهو يطرح مشكلته الزوجية:

* (إنني أتألم أشد الألم معك، ولكن هب أنك تحررت من زوجتك اليوم وغدا، أفتتحرر من المرأة ما بقي لك من العمر؟ أتتحرر من سلطان الجمال عليك؟ أتتحرر من أشواقك إلى الأنثى؟ إذا حطّمتَ الشرائع التي ربطت كيانك بكيان هذه المخلوقة الضعيفة التي هي زوجك وأم أولادك، أبوسعك أن تمزّق الشبكة التي طرحتماها معاً في أمواج بحر الحياة، وأخرجت لكما هذه الأسماك الصغيرة التي تتقلب أبداً في بحيرة حنانكما الواسع؟ هل لك إذا طلّقتها أن تطلّق معها ذكريات الحب والصبا؟ وإنّى لك أن تقتلعها من ماضيك إذا اقتلعتها من حديقة قلبك!! لا تطلب الطلاق بصفتك لرجل، وإن كنت لا تجد من نفسك صبرا، فدع زوجتك وشأنها، دع الحياة تعلمها، فهي لابدّ راجعة إلى نفسها. إن الذي لا يغفر للمرأة هفواتها الصغيرة لا يتمتع بحسناتها الكبيرة. الطلاق عملية فاشلة وخطيرة، ولكن عليكم (بالتمريض) أمام المشكلات.



dr_alawees@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد