حين أكتب الآن عن مبادرات محمد بن نايف المواطن المسؤول القيادي الأنموذج مع مواطن واحد فقط هو عبدالله عسيري ممن انقلبوا على أعقابهم, وغيروا ما بأنفسهم فغير الله عليهم, وانتهى بانتحار مروع في أشد حالات السفه والجهل والضلالة.. فلأن محمد بن نايف حين عرضت وسائل الإعلام حديثه الحميم الحكيم المسؤول الذكي الأبوي مع العسيري الذي كان يبيّت في كل كلمة من حديثه نية الوصول للقاء منفرد بمحمد بن نايف، اتضحت للملأ مبادرة العفو الصادق والاحتواء المسؤول والتجاوز الحكيم، وما كان لأحد أن يطلع عليها لولا ما انتهى إليه غدر ذلك الشاب بنفسه قبل أن يلحق غدره بسموه؛ فقد نهج ابن نايف منهج القيادي المتصدي للعفو عند المقدرة، وهذا ما لا ينكره كل مَن استمع للتسجيل الصوتي لتلك المحادثة قبيل تنفيذ وعده الذي وافى به... تلك المبادرة الأولى.. وكانت الثانية منه بلقاء العسيري في مكتبه الخاص دون حراس ولا حواجز، بنية صادقة أثبتها الموقف وأوضحتها جميع ملابساته، ولا يتحقق لأي مَن يستقرئ التفاصيل بتفسيرها على غير ما أرادتها نية هذا القيادي الفذ: احتواءً، وصفحاً، وحزماً، ومزيد فرص، وواسع رحمة، ونبل تغاض، وكرم مقتدر، وعفو ولي، في مقابل ما كان يضمره ذلك الشاب من انتهاز كل ذرة من لحظة سلام منحها له هذا الأنموذج الكبير محمد بن نايف, في فعله وأدائه ومباشرته وثقته؛ لذلك كان الله معه؛ حفظه ونصره، وحماه وأنقذه، بقدر ما انضوت عليه مبادرته من شيم المؤمن المسؤول الذي يعفو وهو قادر, ويرحم لأنه الأكبر, بينما أودت بنوايا السوء أن ذهب العسيري أشلاءً لم ينل مبتغاه.. تلك الثانية لمحمد بن نايف...
ثم واصل الثالثة من مبادراته القوية والكبيرة وبعيدة النظر والهدف، لكن بمنهجه المثالي حين قام بتعزية والد المتفجر الذي انقلب على عقبيه، وغيّر الله عليه نيته بدماره نظير ما غيّر ما بنفسه، والله لا يخلف قوله، ولا يهمل موعده، (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)؛ فالعمل السيئ لا يحيط إلا بأهله..
سجلت من هذه الحادثة هذه المبادرات الثلاث مواقف نبيلة وعظيمة لمحمد بن نايف: الأولى، محادثته ووعده لعبدالله عسيري بلقائه منفرداً كما طلب، ثم الثانية، تحقيقه له هذا الطلب في منتهى صور القوة والنبل بشيم القيادي الصادق، ثم الثالثة, مواساته بتعزية الأب المكلوم المصدوم في أوسع صورة واقعية لتطبيق المنهج الرباني في الرعاية (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)..., وكذلك (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)... دعتني هذه المواقف الثلاثة للأمير الفذ الإداري الحكيم النابه محمد بن نايف أن أسجلها؛ ففيها دروس وعبر وأنموذجية عالية المستوى... هيأتها الأحداث لنظر وسمع الجميع.. فكيف هو فيما خفي عنا جميعنا؟...
فلنواصل الدعاء له حفظه الله وأمده بنصره وقوته... ولأمثاله...